الخميس، مايو 17، 2012

( هكذا وردت في الكتاب المقرر )



محمد الزعوري
كثيرا من المواقف والاحداث تمر أمامنا كل يوم ولا نتوقف الا عند بعض منها ، ولا يعدوا توقفنا احيانا مجرد نقاش سطحي عابر دون تحليل لإدراك الابعاد والمخاطر لهذه المواقف ، ولعلي وجدت في هذا الموقف ما يستحق التوقف عنده طويلا ، وقد يكون موضوعا للنقاش لمجمل الحالة التعليمية لسلطة الاحتلال وسبل مواجهتها والحد من تأثيرها على المدى القريب والبعيد .   بدأ الامر حين أطلعني ابني التلميذ في الصف التاسع من التعليم الاساسي قبل ايام على نسخة ورقية  تحتوي على قائمة بأحداث تاريخية من مقرر ( الاجتماعيات ) للصف التاسع اساسي ، أعدها احد مدرسي  المادة وهو من حملة البكلاريوس في مادة التاريخ ، ليقدمها وسيلة لاستذكار المعلومات لتلاميذه كاستعداد للامتحان الوزاري الذي سيعقد خلال الشهر القادم  .. ما استوقفني كثيرا .. بل استفزني كثيرا .. في تلك القائمة تسمية ( حرب 1994م بحرب الردة والانفصال ، وتاريخ 7 / 7 / 1994م يوم انتصار قوى الشرعية على قوى الردة والانفصال ) وقد يقول قائل ما الجديد في الامر فالكل يعرف أن معظم مقررات الصفوف الدنيا للتعليم الاساسي والثانوي وخاصة الاجتماعيات بانها تحتوي على كثير من هذه السموم القاتلة التي تستهدف شعب الجنوب وتاريخه وهويته ، وهي سياسة معتمدة منذ اول يوم لاحتلالهم للجنوب وهذا ديدن أي احتلال فمن ضمن وسائلة الاشد خطورة هو التعليم ، أقول ان الجديد في الامر ان تنزل مثل تلك العبارات من قبل مدرس مرموق من ابناء الجنوب دون ان تستفزه تلك التواريخ المذيلة بالكذب والافتراء المقيت ويقدمها لأبنائنا على انها حقائق لا غبار عليها  وهو يعلم قبل غيره انها محاولة رخيصة لتزييف الوعي وتبرير حرب الاحتلال على دولتنا وشعبنا وهويتنا .. لم يستطع الطفل ( حسن محمد ) تقبل الموقف ولا استيعابه ابدا ، وبدأت بوصلة تفكيره تشير الى اتجاهات مختلفة ومتناقضة ، وحالة فريدة من الاحباط والتذمر  بدأت تنتابه ، وتتشكل في وعيه خطوط متقاطعة ملتبسة ،  فشعرت ان ثمة خطر داهم لم يزل يحيق بقضيتنا فما يعتمل امامي ليس الا مجرد حالة قد تتكرر في عدد لا نهائي من الحالات وفي أكثر من مكان على طول وعرض جنوبنا المحتل ، والادهى والامر ان ذلك يحصل بعد خمس سنوات من النضال الدؤوب ، وبعد الالاف من الشهداء ،  والألاف من الجرحى والمعتقلين والمشردين  تبرز لنا حقيقة مرة وهي ان الفئة المثقفة المتنورة في حراكنا السلمي والتي يفترض بها ان تضطلع بمهمة وطنية جليلة مكملة للدور الذي يقوم به ثوار الجنوب المرابطون في ساحات الشرف والبطولة  بتعريف جيل الجنوب بالحقائق التاريخية كما هي لا كما يريدها ساسة الاحتلال وجلاوزته ، وتفنيد المغالطات ، ومحاكمة الاحداث ، بالمنطق والحجج والبراهين  والسير بأبنائنا بخطأ سليمة وثابتة  تجنبهم مخاطر الاستلاب الفكري ومزالق صراع القيم الاجتماعية  بحشو عقولهم الغضة بمخططات المحتل  الجهنمية بمناهج أعدت لهذا الغرض اللا أخلاقي .. لنجد ان هذه الفئة - دون التعميم - تعيش حالة الاستلاب الفكري ذاتها ومشبعة بثقافة الاستسلام والاغتراب ، يؤكد ما اقول  المبرر الذي ساقه ذلك المعلم المهذب بقوله ( هكذا وردت في الكتاب المقرر ) فهو متفهم انها غير صحيحة وانها جزء من سياسة الاحتلال ، وهنا تكمن المصيبة . ( فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم ) .. ان مبدأ الرفض الذي يفترض ان يكون سلوك راسخ وعامل من عوامل المقاومة لم يصل الى بعض الفئات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع الجنوبي مما يضع امامنا تحديات كبيرة يفترض انجازها ، فنحن بحاجة الى ثورة أخرى ثقافية وتوعوية تسير بموازاة الفعل الثوري الجنوبي الرافض للاحتلال في الميادين وساحات البطولة .       
نقول لكل العاملين في السلك التربوي من الجنوبيين وغيرهم  أن الأخلاق تحتل قسماً كبيراً ، وركناً عظيماً من أركان التربية في الاسلام ، فقد ورد في القرآن الكريم ( 1504 ) آيات تتصل بالأخلاق، سواء في جانبها النظري أو في جانبها العملي، وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع عدد آيات القرآن الكريم ، وقد أجمع المربون الإسلاميون على : ( أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية ) وأعظم ما يتربى عليه الإنسان من العلوم ، وربطوا بين الدين والأخلاق برباط وثيق يُفيد: ( أن من لا خلق له لا دين له ؛ بحيث لا يمكن أن يوجد متدين إلا وهو أخلاقي ، ولا يمكن أن يوجد أخلاقي في سلوكه حقيقة إلا وهو متدين ) ، فإن من المسلَّمات أن الإنسان لا يحيى بغير أخلاق، والأخلاق لا توجد بغير دين ، فالدين والأخلاق شيء واحد ، ( فلا دين بغير أخلاق، ولا أخلاق بغير دين ) ، والسؤال أين نحن من ذلك ؟ إن النظام التربوي اليمني يعمل خارج هذه المسلمات ،  لا يؤمن ساسته بهذه القيم الاخلاقية النبيلة في زمن يتكاثف فيه الإثم على شعب تتكرر مأساته يومياً عبر اساليب فجه وقذرة ، تعبر عن ثقافة الاقتلاع والتشريد التي يمارسها الاحتلال علها تحقق صدمة تآكل الأمل لجيل الثورة الجنوبية التي ألهمت الشعوب في لحظة تمور فيها الساحة الجنوبية كلها في حمام من الدم والاقتتال ، أن افعالهم تلك تترجم على الأرض  سياسة الاحتلال والقوى التي تدير رقص الثعابين على بقايا  حطام وطن  ودمار انسان الجنوب . انها حرب تستهدف الشعب الجنوب وهويته ساحتها المدارس والكليات ، فهل نكون نحن أدوات المحتل ننفذ سياسته ضد انفسنا ؟ وللموضوع بقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق