الأربعاء، يوليو 13، 2011

الشمال ليس بشقيق!



الشمال ليس بشقيق!
د. سالم سيف الجابري
تستميت الكثير من الأقلام وتتمسك الكثير من الأصوات بالكتابة والتهجي من سياسيي ومثقفي وإعلاميي الشمال وتابعيهم في الجنوب بالإدعاء والقول بالعمل على إنصاف الجنوبيين وحل قضيتهم حلاً عادلاً، مع تغييب مضمون هذا الحل العادل الذي يتشدقون به ليل نهار، ولم يلمس الشعب في الجنوب الذي وقعت عليه المظالم وعاثت فيه كل القوى السياسية فساداً وإفسادا ونالت ثراء على حساب ثروته وحق أجياله القادمة في الأرض والثروة، وقبل هذه وتلك العيش بكرامة وشمم وإباء في كل شبر من أرض الجنوب وهو ما استشعر فقده بعد حرب صيف 1994م، ومتالاها من سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس فلم يلمس إلا موبقات العصر في الاقصاء والنهب والتشويه والهيمنة.
إن كل هذه (الروزنامة) من القوى التقليدية التي تدعي اليوم التحديث وتتباكى على المدنية وتحمل في أدبياتها الشعارات الوطنية والقومية والإنسانية جميعها سقطت رهاناتها أمام ما تعرض له الجنوب من نهب وسلب وإقصاء وتهميش وتشويه وتدمير لكل مقومات الدولة العصرية وسيادة النظام والقانون والأمن والأمان الذي أنعمت به بقاعه وشعابه وسهوله ووديانه ومدنه لفترة طويلة امتدت من زمن الاستقلال حتى عشية عام الوحدة المشئومة، وكان المجتمع في الجنوب قد وجد في دولة الاستقلال كثيراً من شروط الحياة وتوفرها حتى وإن ظل رافضاً بصمت لبعض التوجهات السياسية التي تقاذفتها تيارات ما بعد الاستقلال وتسليم بريطانيا استقلال الجنوب لثوار الجبهة القومية وما لحقها من صراعات دموية أنهكت جسد الدولة حتى وصل إلى هاوية السقوط ولقمة صائغة في فم القادمين من شمال الشمال فكان أن نسي الثوار القوميون شعبهم الجنوبي الذي صمد في زمن توزيع معدلات الغذاء بالبطاقة وتموين الأسر عبر طوابير التعاونيات المنتشرة في أرجاء الجنوب، هذا الشعب الذي كانت قيادته السياسية تبشره بالرخاء والقضاء على الرجعية في الشمال وتعميم التجربة على الجزيرة والخليج فكان أن ربط البطون وساهم بالاستقطاع من مرتباته لدعم حركات التحرر الوطني وهلل لقيادته ورفعها في الرؤوس وأطلق عليها الألقاب، كيف لا وهي قياداته التاريخية التي ناضلت ضد المستعمر البريطاني كما كتب في تاريخ الثورة في الجنوب وجاء على ألسنتهم وسيرهم المنشورة، هذا الشعب الجنوبي الذي تاق إلى حريته وكان مستعداً للتضحيات بما هو أغلى مما قدم وجد نفسه اليوم في مأزق خطير ينذر بنهاية مأساوية لكل نضالاته، ولم يزل صابراً حتى وهو يرى بعضاً من هذه القيادات والزعامات (التاريخية) يراهن على ألاعيب السياسة في قضيته الجنوبية التي خرج بها إلى الشارع ودفع ثمن هذا الخروج من خيرة شبابه الذين استشهدوا في ساحات المقاومة السلمية من جميع محافظات الجنوب لتروي دماؤهم شجرة الحرية وأخوتهم في النضال الذي سقطوا جرحى لآلة الحرب القمعية الشمالية ونالهم من القهر والتنكيل ما نالهم ليودعوا في السجون وأجسادهم تقطر دماً وجراحهم نازفة، ولكنهم صمدوا صمود جبال الجنوب الشامخة.
في ظل هذه المشاهد التي يتداخل فيهم التاريخي باللحظي والثوري بالنفعي والوطني بالشخصي يقف شعب الجنوب حاملاً قضيته بمفرده في ساحات المزايدات السياسية والتآمرات المحلية والإقليمية والدولية مراهناً على نبل قضيته وقوة الحق فيها وازدياد الوعي الجماهيري بها وإدراكه بحتمية انتصارها وضرورة الدفاع عنها في خضم هذه الأجندات التي تسعى جميعها من النظام وأتباعه وعناصره وجماعاته ومليشياته المسلحة التي تأتمر وفقاً ومشيئته ومخططاته أو المعارضة السياسية وعمادها القوي القبلية الحاشدية ووجوها العسكرية المتنفذة، جميعها، مضافاً إليها جميع الساحات التي استنفع شبابها وأسرها ومناطقهم من ثروات الجنوب في العقدين الماضيين وفقهوا حقيقة الوحدة النفعية التي يراهنون على استمرارها بقليل من الذكاء الذي وظفوا بفضله بعض النفعيين في مناطق الجنوب للهتاف بواحدية ثورة التغيير في الشمال والجنوب متناسين أن ثورة الجنوب كانت سباقة للنضال ومواجهة ديكتاتورية النظام والأصل في الأشياء أن يتبع اللاحق السابق وليس العكس، وفي أقل تقدير أن يدعه يواصل سيره لتحقيق غاياته بعيداً عن محاولات الاحتواء التي تتعالى من أجلها الأصوات وتكتب الأقلام وتهتف الجموع وترفع الرايات والجنوب والغالبية العظمى من أهله يواصلون السير في طريق الحرية والانعتاق من ظلم الجار الذي قربه شعب الجنوب خلال ربع قرن مضى ونيف من استقلاله ليوصله إلى مرتبة الشقيق وما هو بشقيق، وليس هناك من عدل وإنصاف بعد أن تعرت جميع الوجوه وفقدت أصباغها الوحدوية والوطنية والقومية والاشتراكية والإصلاحية إلا أن تدع هذا الشعب العظيم يقرر مصيره بنفسه ويحدد خياراته وشكل نظامه وطبيعته وفقاً وإرادته الشعبية والوطنية، وما دون ذلك فهو خرط القتاد واستمرار لسياسة الضم والإلحاق، وهو ما لن يقبله شعب الجنوب في الأيام القريبة القادمة.
 
دراسة: الوحدة بنظر الشماليين تقوم على قاعدة التوحيد السبئي
الأربعاء / 13 يوليو تموز 2011

د.فضل الربيعي في ندوة عن تقرير مصير الجنوب بعدن, 29 يونيو/حزيران 2011-(عنا)

عدن (عنا) - قال الدكتور فضل الربيعي أن "الوحدة بنظر الشماليين هي التي تقوم على أساس السلب والنهب والظلم والعصبية وفقا لقاعدة التوحيد السبئي (الحرق من الأساس)"".

وأضاف الربيعي الذي يرأس مركز مدار للدراسات والبحوث الاجتماعية بمدينة عدن أن "هذا ما كشفته الأيام الأولى للوحدة عند مماطلة القيادة الشمالية في عدم تنفيذ بعض بنود اتفاقيات الوحدة،واتجهوا نحو بناء تحالف سياسي جديد بهدف إقصاء الشريك الأساسي للوحدة الجنوب، بالاستفادة من التعددية السياسية التي جاءت بها الوحدة وتم تأسيس عدد من الأحزاب السياسية كان أهمها حزب الإصلاح ذو التوجهات الدينية واغلب أعضائه ينتمون إلى الشمال".

وقال في دراسة عن العلاقة بين الحراك والقضية الجنوبية "فلم يأتي الحراك الجنوبي إلا معبراً عن القضية الجنوبية وقد كان الحراك بكل ما مثله من حركة احتجاجات ومظاهرات سلمية انطلقت في كل مدن ومناطق الجنوب قد اظهر إبعاد القضية الجنوبية للعلن، كقضية سياسية ووطنية واضحة لشعب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً".

نص الدراسة:

العلاقة الجدلية بين الحراك الجنوبي السلمي والقضية الجنوبية "تحليل سوسيولوجي"
  مقدمة:
لم تحظَ ظاهرة الحراك السلمي والقضية الجنوبية بالبحث والدراسة المعمقة من قبل الباحثين ومراكز الدراسات على المستويين المحلي والعالمي باستثناء بعض التقارير والتحليلات الصحفية التي تنشر هناء وهناك، رغم أهمية هذه القضية وحجم تلك الاحتجاجات السلمية التي ينظمها الحراك السلمي الدائر في جنوب اليمن، وما تتعرض له من قمع وتنكيل بحق المتظاهرين سلمياً حيث سقط خلالها مئات الشهداء والجرحى برصاص قوت الأمن الذي يقوم بقمع تلك الاحتجاجات في ظل صمت دولي وإقليمي مريب.
وعليه فان بحث ذلك ينطلق من رؤية منهجية شمولية ملائمة لواقع المجتمع والظاهرة والتعرف على الآليات والمكونات المختلفة التي تتحكم فيها، من خلال الإحاطة بجوانبها المختلفة وإماطة اللثام عن جدليات العلاقة بين مكوناتها ليتمكن المتابع من الإلمام بخلفياتها والكشف عن أسبابها وأبعادها المختلفة .
لم تكن ظاهرة الحراك الجنوبي ظاهرة عابرة، فلها خلفيتها وأسبابها الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تعود بداياتها إلى ذلك القصور والأخطاء الناتجة عن الوحدة الاندماجية الارتجالية التي لم تراعي الأبعاد والفوارق والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية في كل من الشمال والجنوب، ولم تنص اتفاقية الوحدة على أي ضمانات دستورية للحفاظ على الوحدة من الانقلاب عليها من قبل أي طرف.
فضلاً عن اختلاف مفهوم الوحدة عند كل من الشماليين والجنوبيين ولاسيما النخب السياسية وهذا الاختلاف يعود إلى طبيعة التنشئة السياسية والثقافية لكل منهما، فالوحدة التي سعى إليها الجنوبيين وناضلوا من اجلها وتر سخت في نهجهم السياسي وقيمهم الثقافية هي وحدة تحمل مشروعا وطنيا تحديثيا يقوم على أساس الشراكة المتكافئة واحترام حقوق الآخرين وبنا دولة النظام والقانون، بينما الوحدة بنظر الشماليين هي التي تقوم على أساس السلب والنهب والظلم والعصبية وفقا لقاعدة التوحيد السبئي " الحرق من الأساس"( ) . وهذا ما كشفته الأيام الأولى للوحدة عند مماطلة القيادة الشمالية في عدم تنفيذ بعض بنود اتفاقيات الوحدة،واتجهوا نحو بناء تحالف سياسي جديد بهدف إقصاء الشريك الأساسي للوحدة الجنوب، بالاستفادة من التعددية السياسية التي جاءت بها الوحدة وتم تأسيس عدد من الأحزاب السياسية كان أهمها حزب الإصلاح ذو التوجهات الدينية واغلب أعضائه ينتمون إلى الشمال، وقد كشف الشيخ عبد الله حسين الأحمر في مذكراته بان الرئيس صالح طلب منه عقب قيام الوحدة هو وحلفائه من الإسلاميين طلب منهم تأسيس حزب سياسي يكون رديفا لحزب المؤتمر حزب الرئيس وذلك بغرض معارضته للاتفاقيات الوحدوية التي وقعها الرئيس مع الطرف الأخر الاشتراكي وذلك من اجل تعطيل تنفيذ اتفاقيات الوحدة ويقوم في خلق توتر للأوضاع وخلق الأزمات مع الحزب الاشتراكي ( ).الذي وقَع عل اتفاقية الوحدة مع نظيرة المؤتمر الشعبي العام في الشمال، وكان الاشتراكي هو الحزب الوحيد المهيمن على الحياة السياسية في الجنوب ذو التوجهات الاشتراكية اليسارية، وفي أول انتخابات بعد الوحدة 1993م، برز حزب الإصلاح ككتلة ثانية في الحياة السياسية والمتحالف مع الكتلة الأولى " المؤتمر الشعبي العام" وهو التحالف الذي قام على أسس جهوية " شطرية" وأظهرت نتائج الانتخابات عمق الأزمة بين الشمال والجنوب بالاصطفاف الجغرافي، فحصل الشمال على 245 دائرة للمؤتمر والإصلاح ، بينما حصل الجنوب على 56 دائرة جميعها للاشتراكي وأحس الجنوب بإقصائه من المعادلة السياسية وأصبح من الممكن الاستغناء عن الجنوب في أي ائتلاف حاكم،وذلك يعود إلى عدم وجود ضمانات دستورية تحفظ حقوق الأطراف الشركاء " الجنوب والشمال". وقد ظهرت الأزمة بين شريكي الوحدة الجنوب ممثل بالاشتراكي والشمال ممثل بالمؤتمر، وتم تبادل الاتهامات بينهم والتي آدت إلى نشوب الحرب بين جيشي الطرفين في ابريل عام 1994م، الذي تعثر اندماجهما، وإعلان القيادة الجنوبية انفصالها عن النظام في صنعا، في شهر مايو، كرد فعل على إعلان الحرب التي دارت رحاها في المحافظات الجنوبية،وانتصر فيها الشمال بعد شهرين وأدت إلى تداعيات سلبية ألقت بضلالها على الجنوب المهزوم في الحرب، وما تلاها من إجراءات تعسفية ومظالم بحق الجنوبيين وإحساسهم بالضيم والحرمان من حقوقهم المدنية والسياسية، وتعاملت السلطة مع الجنوب بطريقة أشبه بالاحتلال منها إلى الوحدة .حيث تم تسريح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الجنوبيين من أعمالهم . والاستيلاء على الأراضي وأملاك الدولة في الجنوب من قبل المتنفذين في السلطة، وقد خلفت الحرب شروخا عميقة في الشخصية الجنوبية فتشكل لدى الجنوبي وعي بالقهر السياسي وهذا الوعي هو نتاج لتلك الإجراءات والممارسات الخاطئة التي تمارس ضد الجنوبيين في مختلف المجلات السياسية والاقتصادية والأمنية .
لقد كان الهدف الأساسي من الحرب هو إقصاء الجنوب الشريك الأساسي في معادلة الوحدة والاستحواذ على السلطة والثروة واحتكار الحكم في يد عصبة ، وباسم الوحدة والحفاظ عليها تم تحويل الجنوب أرضا وإنسانا وثروة إلى غيمة وفيد حرب.
وعليه فان هذه الدراسة تتناول المفردات الآتية :
اولا: التعريف بمفهومي الحراك والقضية الجنوبية والعلاقة بينهما.
ثانيا: الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية للظاهرة.
ثالثا: كيف بدا ظهور الحراك الجنوبي.
رابعا: أسباب ظهور الحراك.
خامسا: اشكالية الحراك.
  أولاً: مفهوم الحراك والقضية الجنوبية:

1_ المفهوم النظري للحراك .
غالبا ما يستخدم مصطلح الحراك الاجتماعي في أدبيات علم الاجتماع أكثر من العلوم الأخرى ، ويشير مفهوم الحراك الاجتماعي إلى ما يتصل بتغيّر الوضع الاجتماعي أو الطبقي لشخص ما، أو فئة أو طبقة اجتماعية، بمعنى حركة الأفراد والجماعات بين مختلف المواقع الطبقية أما في إطار الطبقة الاجتماعية ذاتها، أو بانتقالها إلى طبقة اجتماعية أعلى أو تدهورها إلى طبقة أدنى. كما يعرف الحراك بأنه الوضع الذي يشير إلى إمكانية تحرك الأشخاص أو الجماعات إلى أسفل أو إلى أعلى في هرم التدرج الاجتماعي . وعلى ذلك فإنّ الحراك يعني انتقال أو تغيّر في المركز أو المكانة قد يكون راسيا أو أفقياً،أو نحو اتجاه أو اتجاهات،راسيا أو أفقيا.
ويحدد علماء علم الاجتماع أربعة أنماط أساسية للحراك الاجتماعي هي:
1- الحراك المهني. 2- الحراك المكاني. 3- الحراك الاقتصادي 4- الحراك الفكري.
والحراك السياسي هو جزء من الحراك الاجتماعي الذي يهدف الانتقال أو التحرك من موقف سياسي إلى آخر , من رؤية سياسية إلى رؤية أخرى , من تحالف معين إلى تحالف آخر, يتجه نحو تفاعل شعبي وسياسي واجتماعي يتبلور على قاعدة أبراز قضية سياسية واجتماعية في المجتمع بهدف النضال من اجلها، بصرف النظر إن كان ذلك الانتقال أو التحول يرضي السلطة أو يخالفها ( ). لذا فان الحراك السياسي أكثر تعقيداً من مفهوم الحراك الاجتماعي كما هو مبين في أدبيات علم الاجتماع، إذ لا يمكن فصل الحراك الاجتماعي عن الحراك السياسي ففي هذه الحالة فان الحراك الاجتماعي له مضمون سياسي( ) .
2- المفهوم الإجرائي للحراك الجنوبي
الحراك الجنوبي هو حركة اجتماعية سياسية في المجتمع الجنوبي مناوأه للنظام ترفض كل ما لحق بالجنوبيين من قمع وتعسف وتهميش وإلقاء وتدمير هويتهم وتاريخهم ونهب أراضيهم وثرواتهم وحرمانهم من استحقاقاتهم الحضارية والتاريخية والاجتماعية.وهو حركة سلمية احتجاجية ومشروعة قانونا ودستورا لمواجهة الاستبداد والطغيان الذي يمارس ضد الجنوبيين. يظم في صفوفه فئات اجتماعية مختلفة من شخصيات سياسية وعسكرية وأكاديمية وطلاب وموظفين وغيرهم من المواطنين الرافضين لكل ما لحق بهم من مظالم في المراحل السابقة ويناضلون بكل الوسائل السلمية المتاحة لاستعادة حقوقهم وإعادة بناء دولتهم المستقلة.

3- مفهوم القضية الجنوبية .
مفهوم القضية الجنوبية يشار به إلى المشكلة السياسية للجنوب اليمني وهي نتاج فشل الوحدة الاندماجية السلمية التي قامت في 1990م بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) والجمهورية العربية اليمنية (الشمال) والانفضاض عليها بالحرب على الجنوب 1994م، التي استباحة الجنوب وحولته إلى غنيمة حرب لسلطة 7 يوليو، وكشفت نتائج الحرب بان الشمال كان يضمر إلحاق الجنوب بسلطته والاستحواذ على أراضيه الشاسعة وموقعه الاستراتيجي وما يختزنه من ثروات نفطية ومعدنية وسمكية وزراعية، وقد تم تسريح مئات الآلاف من الموظفين العسكريين والمدنيين الجنوبيين من أعمالهم ونهب ثرواته وعسكرة الحياة المدنية وزج بإعداد كبيرة من ابنا الجنوب السجون تحت مسببات مختلفة. وتعمد النظام طمس الهوية الجنوبية، من خلال تدمير الذاكرة التاريخية والمعرفية للثورة الوطنية وتغيير كثيرا من المعالم التاريخية والحضارية في الجنوب، ومعاملة الجنوبيين كمواطنين من الدرجة الثانية ، مما ولد لديهم الإحساس بالضيم والقهر بسبب ما لحق بهم من مظالم من جراء تلك التصرفات التي هي أشبه ما تكون بالاحتلال وتتم تحت مبررات الحفاظ على الوحدة. وعليه فالقضية الجنوبية هي قضية هوية وتاريخ وثروة وأرض أوجدتها الحرب وما خلفته من آثار.

4- العلاقة بين مفهومي الحراك والقضية الجنوبية
يعد الحراك السياسي أحد أشكال الحراك الاجتماعي التي يشهده المجتمع في الجنوب وهو نتاج القضية الجنوبية حيث يشكلان معاَ موضوعاً واحدا لا يمكن فصلهما ، فلم يأتي الحراك الجنوبي إلا معبراً عن القضية الجنوبية وقد كان الحراك بكل ما مثله من حركة احتجاجات ومظاهرات سلمية انطلقت في كل مدن ومناطق الجنوب قد اظهر إبعاد القضية الجنوبية للعلن، كقضية سياسية ووطنية واضحة لشعب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً.
  ثانياً: الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية "تحليل سوسيولوجي مقارن بين الشمال والجنوب:
 
يشكل الحراك الجنوبي أحدى ابرز الأبعاد الثقافية والسياسية للمجتمع في الجنوب،وهو وليد للقضية الجنوبية، إذ يتصف المجتمع اليمني بأنه مجتمع تعددي في انتماءاته التي تجمع بين البنى القبلية التقليدية الراسخة والبنى التحديثية الناشئة، فالتنوع الثقافي بين الشمال والجنوب ملحوظ في الواقع الاجتماعي كالتنوع في العادات والتقاليد الاجتماعية ولكل منهما خلفياته ومنطقاته التاريخية والاجتماعية، لقد ظلت البنية القبلية التقليدية في الشمال محافظة على آلياتها في حين تعرضت البنية القبلية في الجنوب إلى التفكك في فترة دولة الجنوب قبل الوحدة وبناء مجتمع مدني رغم استمرارها كرمز ثقافي.
ولم يؤدي الحراك السكاني الذي تم بعد الوحدة بين الشمال والجنوب إلى الاندماج والانصهار بين المواطنين في بوتقة الدولة الواحدة وخلق قيم الوحدة التي تعزز روح الانتماء الواحد في المجتمع، بل على العكس من ذلك فان السياسات العامة والممارسات الخاطئة للنظام ولاسيما بعد حرب 1994م، قد ساعدت على التباعد بين الشمال والجنوب أكثر من ما كان عليه الوضع قبل إعلان الوحدة، وبقي الجميع محافظين على المشاعر الجهوية حيث نظر الشماليون إلى الجنوبيين بأنهم متمردين عن التقاليد اليمنية الأصيلة بسبب تأثرهم بالاستعمار وبتجربة الدولة الحديثة، في حين نظر الجنوبيون إلى الشماليين بأنهم قبائل يصعب التكيف معها،فالقبيلة مازالت القوة المؤثرة في الدولة كما اعتبروا الهجرة الواسعة من الشمال إلى الجنوب مؤشراً للسيطرة على الجنوب، ويستخدم البعض كلمة الاحتلال للدلالة على تلك الممارسات بحق الجنوبيين( )،خصوصاً وقد عبرت عن ذلك بعض القيادات الشمالية كتصريح محمد اليدومي الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح في العام 1997م، عند مقاطعة الاشتراكي للانتخابات النيابية، في حوار متلفز بينه وبين أمين عام الاشتراكي علي صالح عباد مقبل – جنوبي- حيث قال يمكن إن نزج باثنين مليون من الشمال إلى الجنوب وتغيير الخارطة الديمغرافية فيه.وهذا يفسر السلوك العصبوي وقد لمس الجنوبيين تلك التصرفات التي تشير إلى إقصاء الجنوبيين من السلطة والاستيلاء على ثرواتهم وأرضهم، يذكر أن نسبة 90% تقريبا من الموظفين الذين انتقلوا من الجنوب للعمل في أجهزة السلطة المركزية في صنعاء أو المحافظات الشمالية بعد الوحدة قد عادوا إلى الجنوب بعد حرب 1994م،أما في أبعادهم من الوظائف القيادية أو بالتحويل أو التطفيش الذين تعرضوا له هناك كقطع العلاوات المخصصة لهم مثل نظرائهم الشماليين الذين انتقلوا إلى الجنوب، كما تم نقل البعض من الجنوبيين من عدن إلى المناطق الريفية النائية بعد الحرب ووضعهم في مواقع هامشية أقل من درجاتهم العملية والعلمية،وخصوصا الضباط في الأمن السياسي والقوات المسلحة والداخلية، وقد فضلوا العودة إلى الجنوب وطلبوا التقاعد بسبب ذلك التطفيش،والتهميش الذين يتعرضون له فمن حوالي 86 مهندس وموظف انتقلوا من عدن للعمل الى وزارة الأشغال العامة في صنعاء عند إعلان الوحدة قبل الحرب لم يبقى منهم سوى أربعة موظفين فقط- على سبيل المثال لا للحصر- وعلى العكس في الجنوب حيث تم إسناد اغلب الوظائف القيادية في المحافظات الجنوبية قادمين من المحافظات الشمالية وعلى وجه الخصوص المواقع الأمنية والعسكرية والمرافق الايرادية كالمالية والضرائب والواجبات وغيرها.وتزايد أعداد الموظفين المدنيين والعسكريين من أبناء الشمال في كل محافظات ومديريات الجنوب بعد حرب 1994م. وقد كشفت الحرب وما تلاها من إجراءات تعسفية بحق الجنوبيين بان المشكلة هي بين ثقافتين للحكم والتي تعود إلى مفهومهما للوحدة والحكم فالوحدة بنظر الجنوبيين هي وحدة شراكة وبنا دولة حديثة تستند على النظام والقانون ،بينما مفهوم الوحدة عند الشماليين هي وحدة ظم وإلحاق وهي ثروة وغنيمة تقوم على القوة والنفوذ وأعراف القبيلة الذي اغتصب بها الجنوب وتم تعميم ثقافة الفساد والتخلف في الجنوب بعد حرب 1994م، حيث شجع النظام على عودة المشايخ القبلية ولكنه لم يمنحهم الامتيازات والمكافئات والصلاحيات كنظراتهم في المحافظات الشمالية، بل وفي حالات كثيرة عمل على تعيينات مشائخ جديدة دون الرجوع إلى تلك البيوت والمرجعيات الأساسية كالسلاطين الذين عرفوا قي الجنوب، وحتى الذين عاد لهم الاعتبار إذا صح التعبير، إلا أنهم يعانون من التمييز بينهم وبين المشائخ في الشمال، وبالتالي فان عودة النظام القبلي إلى الجنوب كان يهدف الى إثارة الفتن والحروب القبلية بين الناس ومحاربة الأشكال المدنية ليس إلا، وتكشف إحدى الدراسات الاجتماعية أن احتواءً متبادلاً تم بعد حرب 1994م بين قادة النظام وشيوخ القبائل وتشكلت نخبة مركبة، سعت لإضعاف الطابع المؤسسي للدولة والقبيلة على حد سواء فتبني قادة النظام في تعاملهم مع القبيلة إستراتيجية تقوم على ممارستين متناقضتين شكلاً ومتكاملين موضوعاً، تهدفان إلى إضعاف القبيلة كمؤسسة اجتماعية، وتقوية القبيلة كمنظومة ثقافية، وكذلك الأمر بالنسبة لشيوخ القبائل فهم يدعمون النظام ويسعون في الوقت ذاته إلى إضعاف الدولة كمؤسسة، وذلك يصب في خدمة النخبة السياسية والاجتماعية في آن واحد فهما نخبتان متكاملتان وليستا نخبتين متنافستين ( ).
فقد ظلت إدارة الحكم في صنعاء تعتمد على التوافق القائم على أساس مبدأ التحالف القبلي في إطار القبيلة صاحبة النفوذ منذ وصول الرئيس الرئيس علي عبد صالح إلى السلطة في 1978م قبل ثلاثة وثلاثون عاماً، وقد عبر عن ذلك الرئيس صالح بنفسه حيث قال أن من أوصله إلى سدة الحكم هي المؤسسة العسكرية ومعروف أن هذه المؤسسة كانت بيد القبيلة برموزها القيادية ، ويؤكد اللواء علي محسن صالح ذلك انه وآخرون هم من أعادوا لصالح الحكم ثلاث مرات منذ تولية الرئاسة. وشكلت القبيلة قوة مساندة للسلطة استفادة منها واستخدمها لتدعيم نفوذها بسبب افتقادها للشرعيته المجتمعية حيث اتجت إلى تقوية الجيش والاستحواذ على مفاصل القيادة فيه وأصبح الجيش قادراً على منح القبيلة دوراً حد من نفوذ الدولة المدنية بل وتعمقت الروابط بين الجيش والسلطة بتأثير نفوذ القبيلة.
بمعنى أن مراكز القوى القبيلة هي التي تتحكم في إدارة شؤون البلاد. وعليه فقد سارت الأمور وفقاً لمنهج القبيلة وأعرافها التي توازي بين مراكز قواها الرئيسية التقليدية أو الرسمية كالمؤسسة العسكرية. فهي التي توزع وتمنح المكانة والثروة إذ تتم التعيينات الرسمية بدءاً من مدراء النواحي وانتهاءً بتشكل الحكومات من خلال التشاور بين الرئيس وشيخه ورموز المؤسسة العسكرية. وحتى تسعينات القرن الماضي بعد تحقيق الوحدة، حيث كانت الوحدة قد أحدثت خلل في تلك القاعدة أو التحالف وقد أحست هذه المراكز التقليدية بسحب البساط من تحت قديمها. الأمر الذي عبروا عنه علناً بأن الوحدة تشكل خطراً على تلك القوى بدخول الطرف الأخر في إدارة شؤون الحكم" الجنوب" الأمر الذي دفع بمراكز القوى المتحالفة إلى الانقضاض على الوحدة السلمية مع الجنوب بدأ في الاتفاق الذي عقد بين الرئيس والشيخ عبد الله الأحمر عندما طلب الأول من الثاني الخروج من حزب المؤتمر وتشكيل حزب إسلامي معارض يقوم في الاتفاق على اتفاقية الوحدة وعرقلتها وخلق الأزمة مع الشريك الجنوبي هذا مع كشفه الشيخ في مذكراته، من هنا أول ما يلاحظ أن نشوء الخلافات بين الطرف الجنوبي وتلك المراكز التقليدية الذي ظهر بلباس الحزبية التجمع اليمني للإصلاح بهدف يستعيد دوره القبلي من خلال الاشكال الحديثة كالحزب مثلا. وقد وصلت تلك الخلافات إلى مرحلة إعلان الحرب الذي تحالفت فيه القوى القبلية والإسلامية والعسكرية وانتهت بإبعاد الشريك الأساسي للوحدة "الجنوب." حبث تمكنت تلك القوى من إجهاض المشروع المدني للدولة ويعيد تحالفها القائم على المرجعيات السلطوية "القبلية والدينية والعسكرية". وجرى تفريغ الوحدة من مضامينها السياسية والاجتماعية وعودة أسلوب التفكير والإرادة الشمولية التي أنتجها النظام السياسي السابق نظام الجمهورية العربية اليمنية سابقاً( ).
وترجع الاحتجاجات العلنية والتظاهرات الجماهيرية في الجنوب إلى التاريخ السياسي والثقافي في الجنوب، والذين يستمدون منه تلك الروح الثورية المعبرة عن المواقف السياسية التي صنعها التاريخ الوطني المتميز للجنوبيين في كفاحهم الطويل ضد المستعمر الأجنبي، الذين استمروا طوال قرن ونيف من الزمن يقاومونه، وقد كان له أثرا واضحا في تكوين الشخصية الجنوبية التي عاشت تحت السيطرة الاستعمارية والتي غرست فيهم روح المقاومة الرافضة للاستعمار كما هي عادة كل الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال، حيث كان الاستعمار يتعامل مع الجنوب ضمن سياسة التجزئة " أي فرق تسد" ولم يدخل في تصادم مباشر مع القبائل الجنوبية، إلا في حالات محددة ،وقد تعامل مع كل قبيلة بمفردها وعمل على تكريس الفرقة بين القبائل وإخضاع محمية عدن تحت سيطرته المباشرة, وترك القبائل خارج عدن تتصارع مع بعضها دون إدخال التنمية فيها،ضنا منه إبعاد خطر تهديده، واستمرت الاحتجاجات المقاومة للاستعمار حتى نضجت الظروف التي دفعت نحو تصاعد حركة الاحتجاجات ضد الاستعمار في كل المناطق والقبائل الجنوبية، وتواصلت لتلتحم في بؤتقة سفينة موحدة, حددت هدفها بالنضال التحرري ضد المستعمر تسندها ثقافة التحرر الرافض للاستعمار وتستمد قوتها من كبريا وكرامة أبناء الجنوب، حيث لم يكن شعار ثورة ثورة يا جنوب جديد على الجنوبيين فهو الشعار الذي رفع في ستينات القرن الماضي ضد الاستعمار البريطاني، إذ كان محفزا وجامعا لكل أبناء الجنوب في نضالهم ضد الاستعمار والذي يوحي لهم قوة انتمائهم للوطن وتخليصه من الاستعمار والتخلف، وخلف هذا الشعار تحركت المقاومة الشعبية ضد الاستعمار البريطاني في الثورة التي انطلقت من ردفان عام 1963م.
وأنخرط فيها الجميع وعلى وجه الخصوص الطبقات الفقيرة وأبناء الريف والعمال المدنيين والعسكريين العاملين في المؤسسات الاستعمارية، وتبارى الناس في بطولاتهم وأعمالهم الميدانية وبنا على ذلك تم منح الاستحقاق في الدولة الحديثة بعد الاستقلال للقوى المشاركة في الثورة, الجدير بالذكر أن تاريخ الصراعات داخل فصائل الثورة في الجنوب قد بداء في فترة الكفاح المسلح، وأستمر كجز من تاريخ مرحلة ما بعد الثورة، ربما فيما يجري من مماحكات بين مكونات الحراك اليوم مشابهة لما حدث في الماضي بين مكونات فصائل الثورة وقد كشفت كثيرا من الأحداث التي شهدها الجنوب في السابق أن صراعاتهم تلك كانت على المكانة وإثبات الوجود أكثر منه على المصالح فقد أستشهد العديد من القادة وهم لا يملكون في منازلهم قوت يومهم وكانت حياتهم عادية لم نلمس فيها مظاهر الغنى والترف كما هو عند القيادات في المناطق الشمال.
كما أن الخلفية الدينية للحركة الصوفية التي تتواجد في الجنوب عرفت بأنها لا تشجع على الكسب المادي والمنافع الذاتية بل هي حركة تنشد الزهد وتتجه نحو كسب المعارف الدينية والظهور بالمظهر اللائق فالصوفيين لا يتباهون ولا يتفاخروا بحمل السلاح، وإجمالاً فالناس في الجنوب لا يفاخرون بالغناء والثروة وإنما كان تظاهرهم في الجاه والمعرفة على عكس الناس في الشمال الذين يجعلون من المال والثروة أساس تواجدهم وصراعهم. فقد كانت القبائل الجنوبية تتصارع وتتقاتل فيما بينها على الجاه والسلطة وليس الثروة حتى أن كبار المشايخ والسلاطين لا يمتلكون الثروة ولا يسمحوا لأنفسهم استغلال نفوذهم للاستحواذ على حقوق الآخرين. كما هو الحال في الشمال, وبالعودة إلى تتبع نمط ملكية الأرض فقد لوحظ أن الأغلبية في الجنوب بمختلف فئاتهم ودرجاتهم التراتبية والاجتماعية كانوا يمتلكون أرض بنسب متفاوتة وهي دليل على بعد التوزيع العادل للثروة داخل كل قبيلة، على العكس من ذلك لوحظ نمط الملكية في الشمال يقوم على التفاوت الكبير بين الناس في المجتمع الذي يتم بحسب درجاتهم وتراتبهم الاجتماعية، إذ أن كبار الشيوخ وكبار المسؤولين والضباط هم الذين يملكون النصيب الأكبر من الأرض بوصفها أساس الثروة حصلوا عليها إما بالاستيلاء على أراضي الدولة باستخدام نفوذهم وشراء أراضي الضعفاء بأسلوب الإكراه، وهو الأسلوب نفسه الذي استخدموه في الاستيلاء والاستحواذ على الأراضي في الجنوب بعد حرب 1994م.
إن القبائل في الجنوب كانت تحترم شيوخها في إطار العرف الذي ينظم تلك العلاقة القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل ولاتهابهم وهناك فرق بين الاحترام والهيبة، ولا يذكر أن شيوخ القبائل كانت تتحكم بقبائلها وفقاً لهواها أو ممارسة التعسف والظلم بحقها كما هو في الشمال. أما بعد استقلال الجنوب فقد خضعت القبائل للنظام والدولة الجديدة طالما هي لمصلحة الجميع وذلك لا يتنافى مع توجيهات سلاطين ومشايخ الجنوب، و في القضايا الخاصة كان لا يتدخل المسئولين أو الشيوخ في الماضي بصورة شخصية في فرض ما يريدونه على المواطن.كما هو سائر اليوم ولا يعني أن الدولة لم تلحق الضرر بالبعض ولكن كان ذلك يتم وفقاً للنظم والقوانين وفقاً للنهج السياسي, حيث تعرضت بعض الشرائح والفئات الاجتماعية إلى بعض المظالم التي لا تتفق مع نهج الدولة حيث تم مصادرة الفائض من الأملاك الخاصة بالتجار والمؤسسات التجارية والعقارات والأراضي الزراعية وفقاً للدستور والقانون النافذ كقانون التأمين وقانون قانون الإصلاح الزراعي لكنها لم تذهب لصالح مراكز النفوذ في السلطة، بل لصالح الملكية العامة وأعيد توزيعها على الطبقات الفقيرة أو مؤسسات تابعة للقطاع العام.
ومما سبق يمكن أن نرسم ملامح الفروق بين مكونات كل من الشخصية الجنوبية والشخصية الشمالية والتي تستند على أبعاد نفسية مختلفة فهناك فرق بين الشخصية الجنوبية والشمالية وهذا يرتبط بطبيعة الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية التي أثرت على بنا وتكوين الشخصية عبر التاريخ الاجتماعي ولاسيما من الناحية السياسية. وفي هذا الاتجاه يمكن القول أن الشخصية الجنوبية هي شخصية ريديكالية ثورية تأثرت بمرحلة الاستعمار البريطاني في الجنوب والتي خلقة شخصية مقاومة للاستعمار، كما أنها متأثرة كذلك بالتجربة الاشتراكية التي تدعو للثورة الشعبية ورفع المظالم عن الناس، فهي شخصية مدنية، عكس الشخصية الشمالية القبلية التي تأخذ المواقف بأسلوب المراوغة والمداهنة ولهذا الأسلوب خلفيته الثقافية والدينية التي تعود إلى الثقافة المكتسبة من النظام العثماني وسياسة الإمامة التي تعاملت بها مع كثير من القضايا، حيث لا تظهر ما في باطن الأمور،وإظهار عكس ما في الباطن، فهي شخصية ازدواجية كما عبرة عنها تلك الممارسات التي سلكها القادة السياسيون منذ اتفاقيات الوحدة والانقضاض عنها وما تلاها من سلوك بعد حرب 1994م لم يكن الجنوبيون على معرفة بذلك.
  ثالثاً: بدايات الحراك الجنوبي
تمتد تكوينات الحراك الجنوبي إلى تلك المحاولات الأولى التي ظهرت بعد حرب 1994م، الحرب التي أطاحت بالوحدة السلمية التي قامت بين شطري اليمن في العام 1990م، وقد ظهرت التكوينات الأولى بعد الحرب مباشرة كتلك التي بدأت في الخارج مثل حركة الجبهة الوطنية للمعارضة الجنوبية(موج) تم تأسيسها في نوفمبر 1994م، وقد لعبت دورا في بداية الأمر في التعريف بالقضية الجنوبية وإيصالها إلى المحافل الدولية، وكذلك تأسيس حركة تقرير المصير (حتم) في عام 1997م. أو التي ظهرت في الداخل مثل اللجان الشعبية،والمنتديات والملتقيات والتجمعات الشعبية الرافضة لتلك الإجراءات التي لحقت بالجنوب والجنوبيين بعد الحرب، والمتمثلة في إقصاء القيادات الجنوبية من مواقعها في أجهزة السلطة وتسريح عدد كبير من العسكريين والمدنيين الجنوبيين من أعمالهم وعسكرة الحياة المدنية، وكانت الإرهاصات الأولى لهذه الاحتجاجات قد بدأت في العام 1995م، سوا تلك التي قام بها عمال المؤسسة العامة للسياحة عشية عيد الفطر في منطقة التواهي للمطالبة بصرف رواتبهم وتم قمعهم من قبل قوات الأمن قتل خلالها اثنان على الأقل من العمال المحتجين ، أو تلك التي قام بها طلاب جامعة عدن في مدينة الشعب عند ما خرجوا في مسيرة احتجاجية على زيادة أسعار النفط وتم مواجهاتها بالرصاص الحي وأدت إلى مقتل أحد الطلاب.
وقد عبر الجنوبيين في كل مكان عن رفضهم لعسكرة الحياة وسلب المواطنين حقوقهم وإذلالهم والنيل من كرامتهم كما حدث في منطقة السعدي يافع في 7 يناير عام 1996م، عندما قامت قوات الأمن في مهاجمة أحدى القرى بهدف سحب السلاح من احد المواطنين في القرية وتصدى لهم المواطنين راح ضحيتها خمسة من قوات الأمن، وتواصلت تلك الاحتجاجات بصور مختلفة في عدد من المحافظات الجنوبية أبرزها تلك الاحتجاجات المبكرة التي شهدتها محافظة حضرموت ومحافظة الضالع بالخروج في المسيرات السلمية التي تطالب بحقوقهم ورفض عسكرة الحياة المدنية وتم قمعها من قبل السلطات بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين والمحتجين والذي راح ضحيته عدد من الشهداء منهم الشهيد محمد ثابت الزبيدي في الضالع وبن همام وبارجاش في حضرموت واعتقال حسن باعوم عام 1998م واختفاؤه لفترة عام كامل. ثم تواصلت تلك المعارضة والاحتجاجات الجنوبية في صور منتظمة، مثل تأسيس عدد من المنتديات السياسية والثقافية في عدن على وجه التحديد، وفي أغسطس 1998م تم تأسيس اللجان الشعبية والدعوة التي تصدرها الدكتور محمد حيدره مسدوس وحسن باعوم والتي أطلقوا عليها بـ "إصلاح مسار الوحدة" ولم تستقطب تعاطفاً شعبياً كبيراً في بداية الأمر، ربما لأنها جاءت من قبل قيادات سياسية عليا في الحزب الاشتراكي اليمني،الذين يعتبره الناس في الجنوب السبب الرئيس الذي أوقعهم بهذا الخطاء التاريخي المتمثل بالوحدة اليمنية ، كما أن هذه الدعوة لم تلقى التأييد داخل الحزب نفسه، بل عمقت الخلاف داخل اطر الحزب،الأمر الذي أدى إلى ظهور تياران في الحزب هما : التيار الأول وهم الاشتراكيين الذين يؤيدون دعوة أصلاح مسار الوحدة وأغلبهم ينتمون إلى الجنوب، والتيار الآخر يعارض ما تضمنته تلك الدعوة ، ويرون أن مسألة المظالم هي مسألة عامة في المجتمع اليمني ويمثل هذا التيار أغلبية قيادات الحزب الاشتراكي التي بقيت داخل الوطن بعد حرب 1994م والأعضاء الشماليون في الحزب، حيث تركز الخلاف بينهما حول ماجا به مشروع إصلاح مسار الوحدة بتحمل الحزب الاشتراكي المسؤولية التاريخية تجاه ما لحق بالجنوب باعتباره معنيا بالتعبير عن القضية الجنوبية وتبنية مشروعا بالمطالب بمعالجة آثار الحرب وما لحق بالجنوبيين من غبن ومظالم، وهي مسؤولية تاريخية بوصفه كان الحاكم في الجنوب وهو الذي وقع على اتفاقية الوحدة ويمتلك الشرعية السياسية كحزب سياسي مرخص له، يمكن أن يكون الحامل للقضية الجنوبية، إلا أن هذا الطرح لم يحض بأي اهتمام من قبل هيئات الحزب وقياداته أو من قبل السلطة أيضاً.
الجدير بالذكر أن تلك المعارضة لم تنحصر في إطار الحزب الاشتراكي فقط ، وبعد انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي في عام 2005م ، تجلى موقف الحزب غير الواضح من القضية الجنوبية، لذا فقد خرجت المعارضة عن أطار الحزب لتنضم مع تلك التجمعات والأصوات المناهضة للنظام خصوصا بعد تحالف الاشتراكي مع حزب التجمع اليمني للإصلاح -الشريك الرئيس مع المؤتمر الشعبي في الحرب على الجنوب عام 1994م – وشكلوا ما يسمى بأحزاب اللقاء المشترك مع بعض أحزاب المعارضة الأخرى، وجميعها أحزاب ذات منشأ شمالي ولم تدخل هذا التكتل الأحزاب السياسية ذات المنشأ الجنوبي مثل "حزب الرابطة، وحزب التجمع اليمني الذي كان يرأسه المناضل عمر الجاوي".
وفي الخارج تم تأسيس حركة تقرير المصير " حتم" في 1998م، وكذالك تم تأسيس حزب التجمع الديمقراطي " تاج " في يوليو 2002م الذي يدعو إلى انفصال الجنوب والعودة إلى الجنوب العربي، وكان لهما تأثير كبير في الداخل بين صفوف الشباب، حيث اتسعت مساحة الاحتجاجات المعارضة للنظام في الجنوب لتشمل أطرافاً وتحالفات اجتماعية أوسع كمنظمات المجتمع المدني والوجهات الاجتماعية بصفتها الجهوية " الجنوبية " وليست الحزبية، حيث توالت بين الحين والآخر تنظيم بعض الاحتجاجات السلمية الرافضة لتلك الأعمال والممارسات التعسفية التي تمارس ضد أبناء الجنوب ونهب ثرواته وتجويع أبنائه والمطالبة باستعادة حقوقهم المسلوبة، وقد ظهرت بداية تلك الاحتجاجات المنظمة في مختلف المحافظات الجنوبية، عبرت عنها عدد من التكوينات والتجمعات الشعبية التي استشعرت مخاطر سياسية النظام ضد أبناء الجنوب بصفة عامة،بما فيهم الذين تحالفوا مع النظام في حرب 1994م،عندما بدا التخلص منهم في إحالة جزء كبير من القادة العسكريين إلى التقاعد ليلحقوا بإخوانهم الجنوبيين الذي تم تسريحهم قسرا بعد الحرب، لذلك تم إعلان ما سمى بملتقى أبناء الجنوب في صنعاء في العام 2002م، والذي ضم عدد من الشخصيات السياسية الجنوبية وحدد جملة من المطالب الحقوقية لأبناء الجنوب.
وجاء إعلان السفير أحمد عبد الله الحسني حق اللجوء السياسي في بريطانيا 2005م،الذي كان يشغل منصب سفير اليمن في سوريا ، وهو من القيادات العسكرية التي تحالفت مع السلطة في حرب 1994م، وكان قائدا للقوات البحرية ، حيث شكل انضمامه إلى المعارضة الجنوبية في الخارج عامل دعم قوي، ونقطة تحول في مسار المعارضة الجنوبية التي تقاربت فيها الأجنحة والقوى الجنوبية التي تصارعت في الماضي والذي دأب النظام في استقلال صراعات الماضي وتوظيفها لمصلحته بقائه في استمرار ممارسة الإقصاء والتهميش للجنوبيين ونهب ثرواتهم وافقارهم.
لقد استهدفت تلك الممارسات كل أبناء الجنوب وساعدت على تقارب فرقا الماضي جميعا ومهدت لإعلان ما سمى بدعوة التصالح والتسامح التي أعلن عنها من جمعية ردفان في عدن في 13 يناير 2006م،في ذكرى الحرب التي جرت بين الجنوبيين في 1986م، وكان إعلان التسامح والتصالح في هذه المناسبة بمثابة رسالة قوية يوجهونها إلى النظام،الذي هاجمها بشده، وقد عزز ذلك التصالح في مباركة الجنوبيين المتواجدين في الخارج مما دفع قدماً بتصاعد حركة الاحتجاجات في كل مناطق الجنوب وخصوصاً بعد الاتصالات المعلنة التي كان يجريها بعض الشخصيات الجنوبية في الخارج وتذاع في المهرجانات التي تتم في بعض المناطق مثل خطابات الحسني وعلي ناصر والجفري وصالح عبيد والعطاس والقيرحي وصالح شايف.
يذكر أنه عند توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية،كانت اليمن قد اشترطت على السعودية قطع المساعدات التي كانت تقدمها للنازحين الجنوبيين بعد حرب 1994م، المتواجدين بالخارج، وعاد الأغلبية منهم ولاسيما العسكريين بعد قطع تلك المساعدات الإنسانية عليهم عام 2003م، والتزم النظام بعدم مطاردتهم ومنحهم حقوقهم المسلوبة، إلاً أنه لم ينفذ التزاماته تلك بعد عودتهم، الأمر الذي أدى إلى استمرا تنظيم حركة الاحتجاجات في المجتمع بسبب زيادة حالة الفقر والبطالة والتهميش الذي يمارس ضد أبناء الجنوب ونهب خيراته من قبل المتنفذين وعدم الاستجابة للمطالب المشروعة التي يرفعها هولا وقمع المحتجين والمتظاهرين سلميا وممارسة الحظر الإعلامي على تلك الاحتجاجات السلمية والديمقراطية المشروعة وصمت المجتمع الإقليمي والدولي عنها.
وعليه فقد اتسع نشاط الحراك الجنوبي بانضمام عدد من الشخصيات القبلية الجنوبية إليه، مثل الشيخ طارق الفضلي بعد خلافة الشخصي مع النظام وهو من الشخصيات التي تحالفت مع صنعاء في حرب 1994م، والشيخ عبد الرب النقيب في يافع والشيخ حسن بنان في شبوة ، وغيرهم من المشايخ والشخصيات الجنوبية المؤثرة في الجنوب، والعائدين من الخارج الذين عادوا من دول المنفى خلال السنوات الماضية، وقام العسكريين بتشكيل جمعية للمتعاقدين في 2006م، في عدن ومن ثم في بقية المحافظات الجنوبية, للمطالبة بحقوقهم القانونية, وخرج هؤلاء في أكبر تجمع نوعي في 7/7/2007م بساحة العروض في مدينة خور مكسر باللباس العسكري مطالبين بحقوقهم ورفع المظالم التي طالت أبناء الجنوب.
لقد كان هذا التظاهر مفاجئ للنظام وللجنوبيين أيضاً حيث كسر حاجز الخوف عند الناس الذين اندفعوا بعد هذا التاريخ إلى تنظيم عدد من المظاهرات الاحتجاجية في مختلف محافظات الجنوب،وبعد ثلاثة أيام تم قيام اكبر مهرجان بتاريخ 10/7/2007م في منطقة يافع بمحافظة لحج حضره الكثير من مختلف المحافظات الجنوبية وقد المهرجان مفتوح لم تحاصره القوات الأمنية رفع فيه علم دولة الجنوب السابقة وقد أعطى انطباع للحاضرين من قدرتهم على استمرار تلك المظاهرات والمهرجات الاحتجاجية، وتم تشكيل منظمات الشباب العاطلين عن العمل،التي التحمت مع جمعيات المتقاعدين . وفي يونيو 2007م تم تشكيل مجلس تنسيق الفعاليات السياسية وهيئات النضال السلمي في المحافظات الجنوبية، الذي تدعو إلى تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات السلمية المنتظمة في المناسبات الوطنية التي كانت سائدة في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كيوم الشهداء وثورة أكتوبر وعيد الاستقلال وغيرها من المناسبات التي استقطبت مئات الآلاف من المشاركين. وقد شكلت تلك الاحتجاجات والتظاهرات عامل ضغط كبير على النظام وبدلا من الاستجابة لمطالبهم الحقوقية ، لجاء الذي أطلق أيدي العسكر لمواجهتها بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين سلمياً. ودعا ما سمي بمجلس جمعيات المتقاعدين والشباب العاطلين عن العمل إلى قيام اكبر مسيرة احتجاجية في مديرية ردفان يوم 14 أكتوبر 2007م، في ذكرى الثورة وبدأت الجماهير تتوافد إلى مدينة الحبيلين قبل يومان من إعلان المسيرة من مختلف المحافظات الجنوبية ، وأقدمت قوات الأمن والقطاع العسكري المرابط في المنطقة على منع دخول الناس إلى المدينة واقتحام منصة الاحتفالات بالقوة الأمر الذي أدى إلى قتل أربعة من المواطنين وجرح العديد، إلا إن القمع والقتل لم يخمد تلك الاحتجاجات، بل على العكس فالمظاهرات استمرت في تصاعد كبير رغم قمعها من قبل قوات الأمن والتي سقط فيها عشرات القتلى وزج بالعديد في السجون اثنا تلك الفعاليات أو تلك الاعتقالات التي تتم قبل قيام المظاهرات بهدف إفشالها، كما جرت محاكمات عدد من قيادات ونشطاء الحراك الجنوبي بتهم الانفصال وإثارة الفتنة وغيرها. كل تلك الإجراءات لم تثني حركة الاحتجاج الجنوبي من مواصلة مسيرتها الوطنية ،بل على العكس زادتها زخما وتنظيما .
وقد التف الناس حول مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات للمتعاقدين وجمعية الشباب العاطلين عن العمل، التي نظمت عدد من المظاهرات الاحتجاجية في مختلف المديريات التي شملت جميع المحافظات الجنوبية، وتم قمعها من قبل قوات الأمن والجيش باستخدام الرصاص الحي وسقط العديد من الضحايا فيها, وتحولت أيام تشيع جثامين الشهداء إلى أيام احتجاجات واسعة كانت تقام في مختلف المحافظات والمدن وعلى وجه الخصوص في عدن والضالع والحبليين ولحج وأبين وقد منعت السلطات دفن الشهداء الذين سقطوا في عدن من دفنهم فيها حيث كان يذهب بهم إلى مقبرة الشهداء في الحبيلين الذي خصصت لشهداء الاحتجاجات السلمية، بعد حادثة المنصة.
وكانت حركة الاحتجاجات تلك قد اكتسبت تأيدا واسعا من قبل المجتمع في الجنوب بشكل عام والنخب السياسية المعارضة في كل إنحاء اليمن، هذا التجاذب الجماهيري الكبير المتمثل في زخم المشاركين في تلك المسيرات والمظاهرات قد دفع بالبعض نحو التسابق في الإعلان عن تأسيس بعض المكونات السياسية للحراك الجنوبي مثل المجلس الوطني لتحرير الجنوب/ الهيئة الوطنية للاستقلال/ هيئة النضال السلمي وغيرها في زمن متقارب.
وقد فرض النظام حظر إعلامي على تلك الاحتجاجات والمسيرات الشعبية كمنع مراسلي وكالات الأنباء من تغطية تلك الفعاليات السلمية، واتخاذ إجراءات مشددة ضد الصحف المحلية التي تنشر وتغطي تلك الاحتجاجات والأحداث في المحافظات الجنوبية، كما قام بإغلاق بعض الصحف بسبب تغطيتها للإحداث والمسيرات التي تتم في المحافظات الجنوبية والتي تدعو إلى فك الارتباط كما جرى مع صحفية الأيام اليومية التي منعت من الإصدار منذ العام 2009م، وتعرض مبناها للهجوم العسكري المسلح بعد عام تقريبا من إغلاقها،استشهد فيه سلام اليافعي . وفي الخارج قامت المعارضة الجنوبية في مواصلة نضالها في إيصال القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية عبر الوسائل المتاحة حيث ينظم المهاجرين والمهجرين الجنوبيين مسيرات احتجاجية مماثلة أمام مكتب الأمم المتحدة في واشنطن أو في بعض العواصم الأوربية تنادي المجتمع الدولي بالتدخل والضغط على النظام لمساعدة الجنوبيين بتحقيق مطلبهم بفك الارتباط، كما لعبته قناة عدن لايف التي تبث من بريطانيا دورا كبير في مساندة حركة الاحتجاجات في الداخل وتغطيتها لفعاليات الحراك الجنوبي وإظهار القضية الجنوبية، فضلا عن ما يبث وينشر عبر المواقع، الجنوبية المختلفة على شبكة الانترنت ومساهمات المهاجرين الجنوبيين خارج الوطن فيها أو من خلال ما يقدمونه من دعم مالي يسهم في معالجة الجرحى الذين تطلق عليهم قوات الأمن النار في تلك المسيرات ، كل ذلك قد أوصل القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية، فالمؤتمرات الإقليمية والدولية التي ناقشت مشكلات اليمن في السنتين الماضية لم تخلو من الحديث عن القضية الجنوبية سواء تلك التي انعقدت في بريطانيا أو في واشنطن أو في دول مجلس التعاون الخليجي. رغم ما يمارسه النظام من أساليب مختلفة من تضليل للرأي العام الخارجي ، وقمعه لتلك الاحتجاجات والاعتقالات والملاحقات المستمرة لنشطا الحراك محاولا أخفاء حركة الاحتجاجات التي يقوم بها الحراك الجنوبي عن أنظار العالم ومنع إقامتها في العاصمة عدن، حيث لجوء إلى تنظيم المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية في الأرياف منذ العام 2009م.
 
  رابعاً: أسباب ظهور الحراك الجنوبي
كانت حرب 1994م قد قضت على الوحدة السلمية التي قامت بين الجمهوريتان اليمنية في العام 1990م، حيث حولت الجنوب إلى ساحة للحرب التي استمرت 73 يوماً دعمتها الفتوى الدينية الباطلة التي أصدرها عبد الوهاب الديلمي وزير العدل أثناء الحرب والذي كفر فيها الجنوبيين وأجاز قتلهم واباح ممتلكاتهم ، وبموجبها تحول الجنوب إلى مغانم حرب لسلطة 7 يوليو التي عبثت بالإنسان والثروة، وفتحت الباب واسعاً لنهب ثروات الجنوب ومؤسساته الاقتصادية وأرضه والاستيلاء على ممتلكات الآخرين وفرض نظام عسكري يقوم علي مصادرة الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وقمعهم وإذلالهم، ويعيد أنتاج الصراعات القبلية والسياسية بين ابنا الجنوب وعم المجتمع الفساد والظلم والقهر والبطالة، وتدهورت الأوضاع المعيشية للناس بصورة عامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجنوب، وتبدلت كثير من مظاهر الحياة التي كانت تنعم بالسكينة والأمن والكرامة، وهذا يفسر طريقة الانقضاض على الوحدة السلمية التي قامت في 22 مايو عام 1990م، والتي لم تأتي على قاعدة التوحد السبئي أي الوحدة بالحرب، وقد صرح كثير من القادة الشماليين بان الوحدة قد عمدت بالحرب_ فأي وحدة تتم بالحرب إلاّ بنهج هؤلاء_ وعبروا صراحتا بعد حربهم على الجنوب عن عودة الفرع إلى الأصل بمعنى عودة الجنوب إلى الشمال أي إلى أحضان دولة القبيلة "الجمهورية العربية اليمنية " التي فرضت قوانينها ونظامها على الوضع الجديد في الجنوب وتم تعديل دستور الوحدة، وتحول الجنوب إلى غنيمة حرب استأثر بها زعما الحرب بقوة السلطة حيث تصرف الكثير من المسؤولين المعينين في المحافظات الجنوبية باستغلال مواقعهم القيادية تلك لخدمة مصالحهم الشخصية، لاسيما في مجال نهب وتدمير ممتلكات الدولة السابقة في الجنوب والتي حافظ عليها ابنا الجنوب سنوات طوال، حيث تم الاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة واحتكار الوظيفة العامة والكسب غير المشروع، ولم تولي السلطات أي اهتمام في معالجة تلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأة بعد حرب 1994م، وأضرت كثيرا في حياة الجنوبيين, رغم الشكوى والمطالبة المستمرة لسكان الجنوب بعودة حقوقهم . وممارسة التمييز بين المواطنين، الأمر الذي ولد استياء عام في المجتمع الجنوبي خصوصا عندما كان يحصل الشماليين على الامتيازات في الجنوب بيسر كالحصول على الأراضي والتعيينات القيادية والتوظيف، في الوقت الذي يحرم منها أبناء الجنوب، وانعكس ذلك التمييز بين أفراد المجتمع والمتمثل بسلوك البعض في المعاملات العامة التي توحي باستضعاف واستخفاف أبناء الجنوب، وتعميم تهمة الانفصال على كل الجنوبيين والتشكيك بوطنيتهم وبالتالي حرمانهم من حقوقهم وتحويلهم من دعاة للوحدة الوطنية إلى عكس ذلك رغم ما قدموه من تنازلات في سبيل الوحدة الذين ذهبوا إليها إلى صنعاء ، بالمقابل ساد في المجتمع سلوك آخر ينظر للشماليين جميعا بأنهم وحدويين ووطنيين مخلصين.
يذكر بأن كثيرا من الجنوبيين الناشطين السياسيين والمتقاعدين والعاطلين والموقوفين عن العمل قد تقدموا بوثيقة وموقعين عليها مئات الناس تطلب النظام بعودة حقوقهم المدنية المسلوبة وتم نشرها في الصحف المحلية وحددوا فيها لجوئهم إلى تنظيم الاعتصامات السلمية في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة .
إذ تشير بعض شواهد الواقع على ذلك في معاملة وسلوك أولائك الذين كانوا محسوبين على الجنوب من أصول شمالية أو المعارضين لنظام صنعاء قبل الوحدة وعاشوا في عدن، حيث لم تشملهم تلك الإجراءات التعسفية التي اتخذت بحق الجنوبيين، وتصرف البعض منهم بسلوك مغاير لما عرفوا به من سابق، فقد ظهرت بعض الألقاب القبلية في أسمائهم وأقدموا على بعض التصرفات التي توحي لهم بالانتصار على الجنوبيين الذين عاشوا معهم سنوات طويلة وهنا بدأ الفرز واضحا بين من هم المهزومين في الحرب والمنتصرين تبعاً لذلك الفرز بين شمالي وجنوبي، وحدوي وانفصالي، فالحديث عن الوحدة كان يخفي وراءه مآرب أخرى كتبرير ممارسة المظالم ونهب الممتلكات العامة والخاصة والفساد، فضلا عن استبعاد الجنوبيين من الوظائف القيادية المدنية والعسكرية خصوصاً أبناء المناطق التي حسبت على الانفصال مثل مناطق " يافع وردفان والضالع والصبيحة وحضرموت - على سبيل المثال لا للحصر - ولاسيما من المواقع المهمة في الأمن والجيش والخارجية وغيرها ليحل مواقعهم آخرين . وتم تكريس ثقافة المهزوم مقابل ثقافة المنتصر في المجتمع والذي كرسها الأعلام والخطاب الرسمي للسلطة والتي أثرت سلباً على الشخصية الجنوبية من النواحي النفسية والاجتماعية وصولاً إلى الفرز في المواقف السياسية وقد تمثل ذلك في الخلاف الدائر داخل الحزب الاشتراكي بين ما يسمى بجناح تيار إصلاح مسار الوحدة جنوبي والتيار الآخر شمالي ، وأنتقل ذلك التأثير إلى داخل المؤسسات الحزبية والنقابية، وراء الجنوبيين أن ما يسمى بالمعارضة السياسية لأحزاب اللقاء المشترك بأنها لا تعنيهم، ولم تتبنى قضيتهم ومع الأسف الشديد لم تعير السلطة أي اهتمام في معالجة القضايا الحقوقية المثارة في تلك الاحتجاجات الأولى للحراك الجنوبي، حتى تلك التوجيهات التي تنص على عودة الحقوق لأصحابها واستيعاب بعض القيادات في المواقع القيادية في أجهزت السلطة تم عرقلتها ولم تنفذ من قبل القيادات الوسطى. وذلك ملحوظ فيما تم من عمل في 2007م و 2008م عبر اللجان الرئاسية التي حاولت معالجة قضايا المتقاعدين والمشاكل المتصلة بالأراضي وغيرها فقد أجهض عمل تلك اللجان ولم يستفاد من تقاريرها ومقترحاتها. واتضح جليا للجميع عدم جدية التوجه نحو معالجة القضايا والمشاكل الناتجة عن حرب 1994م. كل ذلك ولد قناعة لدى الكثير بأنه لا يمكن أن تتم معالجة تلك المشاكل ، الأمر الذي حفزهما نحو تصعيد الحراك الجنوبي ورفع سقف المطالبة بالحقوق السياسية كفك الارتباط وذلك بعد أن أصابهم اليأس من وحدة الضم والإلحاق وعجز النظام عن معالجة تلك الأزمة على أسس وحدوية بل مارس سياسة طاردة للوحدة وليست جاذبة،كما سعوا إليها في الماضي، إذ لم يستجيب للنصائح أو الامتثال للاستحقاق الحضاري والتاريخي. وعليه لجاء الجنوبيين إلى الاستمرار في تلك الاحتجاجات في كل المحافظات ، وشكلت تلك الاحتجاجات الجماهيرية قضية رأي عام ظهرت بشكل مسيرات حاشدة وبأصوات عالية تشير إلى تلك القضايا والمظالم ومعانات الناس، وترفض أساليب الإقصاء والتهميش وفوضى الإدارة والفساد، حتى انتهى بها الأمر إلى رفع الإعلام التشطيرية والدعوة بالانفصال، وأصبحت قضية كل ابناء الجنوب، خصوصا بعد مواجهتها بالعنف والقمع الذي راح ضحيته مئات من الشهداء برصاص الأمن والجيش. يمكن القول أن أساليب القمع والقتل لم تحد من تلك الاحتجاجات المعبرة عن عمق القضية الجنوبية بل على العكس من ذلك كانت دافعا لاستمرارها . وإجمالا يمكن القول أن حرب 1994م قد ألقت الوحدة السلمية وخلفت اثأر سلبية ألقت بضلالها على الجنوبيين ، وقد تعامل كثير من قادة العمل السياسي مع مواقعهم أو وظائفهم القيادية تجاه الجنوب بعيدا عن المسؤولية حيث اتجهوا نحو الكسب غير المشروع، فأطلقوا العنان لممارساتهم الخاطئة بإقصاء الجنوبيين من الشراكة الوطنية ، حتى وجد الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية أن كل شيء حولهم أصبح في حكم المستباح. وقد ركز نظام صنعاء على تعيين جنوبيين في مواقع شكلية ملحقين بمراكز اتخاذ القرار، وليس مشاركين بالحكم، بل مشاركين في الاخطاءات وشاهدين زور على ارتكاب المظالم التي لحقت بالجنوبيين والتي كانت سبباً رئيساً لظهور الحراك الجنوبي، وحتى تبلغ هذه الدراسة أهدافها نرى من الأهمية بمكان أن نستعرض بالتفصيل بعض من تلك المظالم والممارسات التي ارتكبها النظام بحق الجنوبيين بعيدا عن الصيغة الإنشائية وذلك من خلال المؤشرات الآتية:

1. أقدم النظام على تسريح ما سمّوا بـ"المتقاعدين" الضباط والجنود الجنوبيون بعد حرب 1994م من أبناء القوات المسلحة والأمن وحرمانهم من مواصلة الخدمة في السلك العسكري ومن مواقعهم القيادية والعملية في أجهزة الدولة والذي وصل عددهم إلى حوالي ثمانون ألف شخص، منهم خمسه عشر ألف ضابط تركز معظمهم في تلك المناطق التي كان العمل العسكري يمثل محور نشاط السكان فيها ،الأمر الذي ولد شعورا لديهم بالغبن والإقصاء من المشاركة الفعلية في السلطة. و ساعد على توسع وانتشار البطالة والفقر في تلك المناطق التي أغفلت الدولة مؤسساتها العملية والتعليمية في وجوه الشباب.

2. أدت سياسة الإصلاحات الاقتصادية إلى الخصخصة لبعض المرافق الإنتاجية والخدمية في المحافظات الجنوبية التابعة للدولة وبيعها بأثمان بخسة لقاء مصالح متنفذين، بلغ عددها حوالي واحد وخمسون مصنعا ومؤسسة مركزية، خدمية وإنتاجية منتشرة في جميع المحافظات الجنوبية، وتدمير أكثر من مئة وثلاثون مؤسسة اقتصادية وصناعية وتجارية ، وأكثر من 21 مزرعة دولة -كشف مرفق بتلك المؤسسات والمصانع والمزارع_ وقد أدى ذلك إلى الاستغناء عن إعداد كبيرة من العمال في هذه المرافق المعتمدين على مرتباتهم الشهرية في المحافظات الجنوبية، يصل عددهم إلى سبعون ألف عامل وعامله تقريبا، الذين لم يتعودوا على العمل الخاص وعلى وجه الخصوص في محافظة عدن بحكم طبيعة النظام الاشتراكي السابق في الجنوب الذي يعتمد اقتصاده على الملكية العامة ومنع الملكية الخاصة. وقد وصل إجمالي عدد المتقاعدين حوالي 45 ألف عامل وعاملة في محافظة عدن وحدها الذي كان سكانها يعتمد على الوظيفة العامة ، وتضائل فرص العمل أمام الشباب الراغبين الدخول في سوق العمل وتشير التقارير الإحصائية إلى ان هناك أكثر من 18 ألف خريج جامعي مقيدين في مكتب الخدمة المدنية بمحافظة عدن ينتظرون العمل منذ عدة سنوات.

3. تم تعيين شماليين في أغلب المناصب القيادية في المحافظات الجنوبية وصلت نسبة مدرا العموم في المحافظات الجنوبية بشكل عام إلى نسبة 86% من أبناء المحافظات الشمالية في السنوات السابقة التي تلت الحرب، وبعض الشخصيات الجنوبية غير المرغوبة في الوسط الاجتماعي ومعظمهم لا يمتلكون الخبرات وغير مؤهلين لتلك المواقع، وقد خلق هذا الوضع حالة من السخط لدى أوساط المجتمع في الجنوب ، في الوقت الذي تم الاستغناء عن الكثير من ذوي الخيرة والكفاءات - حملة الشهادات العلمية- وبقائهم في البيوت الذين عرفوا بحزب خليك في البيت.
4. التعامل الذي تم مع الأراضي العامة والخاصة، والبسط والسيطرة على الأملاك العامة والخاصة من أراض ومباني جاهزة تابعة لمؤسسات ودوائر حكومية مختلفة في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى، وتم صرف وثائق تمليك بها لقيادات عسكرية وأمنية ومتنفذين اغلبهم من أبناء المحافظات الشمالية بأساليب وطرق مختلفة، في الوقت الذي تم حرمان الكثير من الجنوبيين من الحصول على الأراضي بعد حرب 1994م، وعلى وجه الخصوص الذين حسبوا على الانفصال.

كما تم الاستيلاء على أراضي الجمعيات الزراعية وعددها أكثر من60 جمعية تعاونية زراعية تضم خمسه وثلاثون ألف عضو من الموظفين في أجهزت الدولة العسكريين والمدنيين والمواطنين, الذين حازوا عليها بموجب وثائق شرعية وقانونية، حيث أقدم بعض المسؤولين في الدولة إلى دفع العض بادعاءات الملكية وتعميد وثائق البيع والشراء غير المشروعة لهذه الأراضي، حيث تشير الإحصائيات إلى انه قد تم نهب مئة وعشون ألف فدان ، يكفي هنا أن نذكر أن احد المتنفذين استولى على ارض بمساحة خمسه ألف فدان في محافظة لحج على سبيل المثال. كما أقدمت هيئة الأراضي على تغيير المخططات السابقة والعبث بها وصرف المتنفسات والخدمات العامة ، وتكرر صرف الأراضي التي تم صرفها من سابق ، وقد خلق هذا الوضع منازعات عديدة بين الناس.

5 .الشعور بالحرمان بسبب تلك الثقافة التي كرسها الإعلام والخطاب الرسمي الذي يتهم أبناء الجنوب بالخيانة والانفصال وأدت هذه الثقافة إلى التباعد المجتمعي وانعكست سلباً على نفسيات الجنوبيين وبالتالي حرمان الكثير من الشباب من الالتحاق بالمؤسسات العسكرية والوظائف المدنية والمنح الجامعية خلافا لما كان يتم من سابق.وللمقارنة بين عدد الطلاب المبعوثين للدراسة في الخارج فمن بين حوالي 900 طالب يوجد منهم حوالي إحدى عشر طالب من الجنوب فقط.
6. تعقيد بعض المعاملات الخاصة بالاستثمارات المختلفة في المحافظات الجنوبية والضغط على بعض الوكالات التجارية بالتنازل عنها لصالح آخرين من المحافظات الشمالية. كما حصل مع وكالة سام سنج عندما تم اعتقال وكيلها في عدن الزبيري تحت تلفيق تهمة أخرى بهدف الضغط عليه للتنازل عن الوكالة أو كما حصل مع المستثمر بلخدر الذي أرست عليه المناقصة الخاصة بخصخصة بعض المنشآت الاقتصادية في عدن كمصنع العزل ومصنع البسكويت والمخبز الشعبي وعندما فاز بهذه المناقصة تم تلفيق له قضية كيدية بهدف إلغاء المناقصة وإدراجه السجن.
7. الاستهداف المقصود لطمس التاريخ الجنوبي التي تكشفه كثيراً من الإجراءات والممارسات المتخذة عن منهج الإقصاء الذي يمارس ضد الجنوب بهدف طمس هويته وثقافته وهي ممارسات لا تنم عن حرص النظام على الوحدة كما يدعي، واحترام جزء من الكيان الواحد الذي يشكل الوطن فهي اقرب إلى تصرف المحتل منها إلى نظام دولة الوحدة. إنه استخفاف واضح بحق الجنوب لا يوجد له مثيل في هذا العصر, لا ندري ما هي الدوافع التي تقف وراء هذا التصرف المدمر الذي يهدف إلى طمس جغرافية وتاريخ ووئد شعب بأكمله ويدعي الحرص على الوحدة.

فقد حولوا التاريخ السياسي والثقافي والتراث الكفاحي الوطني لأبناء الجنوب إلى فيد يصاغ وفقا لثقافة المنتصر والفيد حيث جرا تغيير اسما المدرس والشوارع والمعسكرات والمؤسسات التي ارتبطت تسميتها بالتاريخ النضالي والحضاري في الجنوب وباسما الرمز الوطنية فمتحف الثورة الذي كان يطلق علية اسم أول شهيد للثورة غالب بن راجح لبوزة تم تغييره إلى فرن 7 يوليو " مخبز "بعد إتلاف كل محتوياته وهدم كثير من المساجد والمباني والمعالم التاريخية كمسجد أبان في كريتر عدن الذي بني في عهد الخليفة عثمان بن عفاف، وكتب علية تاريخ بنائه 1997م . وقس على ذلك من تصرفات مؤسفة جدا هدفت إلى تدمير للذاكرة المعرفية والتاريخية للثورة الوطنية في الجنوب.

8. لم تسمح السلطات في تأسيس أي منابر إعلامية جنوبية صحف / مجلات / قنوات تلفزيونية. ولم تسمح في تأسيس أحزاب أو منظمات مدنية يتقدم بها الجنوبيين حتى إذا كانوا يعملون في السلطة أو أعضاء في الحزب الحاكم. ولم يمنح تراخيص مراسلي صحف ووكالة أجنبية للمتقدمين من الجنوب، وجميع ذلك مسموح للشماليين، وبنفس الوقت لم تسمح السلطات في إرسال بعثات إعلامية أو أكاديمية أو وفود حكومية من الجنوبيين إلا إذا كانوا ملحقين بقيادات شمالية حيث يبقى الجنوبيون في موقع الشك في كل مكان.

9. شدد النظام حصاره الواضح على بعض الشخصيات والفئات الاجتماعية من الالتحاق في العمل في بعض المجلات السياسية والإعلامية والمراكز البحثية والسلك الدبلماسي والشركات الأجنبية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تم تعيين بعض العناصر الجنوبية الضعيفة بعض المواقع الشكلية في أجهزة السلطة اعتبرهم النظام ممثلين للجنوب، ولا يحضون بأي احترام في الوسط الجنوبي.
10. أعتمد النظام على العناصر الجنوبية التي لها مواقف انتقامية أو عدائية مع أطراف جنوبية أخرى حيث عمل على توظيفها ضد الآخرين واستخدمتهم في كثير من المناسبات والمنابر الإعلانية للرد على إخوانهم الجنوبيين عندما يطالبون بحقوقهم . وذلك دليل واضح على أحياء وإثارة الحلافات السابقة بين الجنوبيين.
11. عمل النظام على تغذية الفتن بين القبائل الجنوبية كما حصل بين قبيلتي المرازيق والدولة وبين قبيلة ربيز في شبوة، أو الرداما وآل داؤود في الحد يافع أو قبائل الصبيحة في لحج أو آل حسنة والمياسره في مودية او بين ال دمان وال المجهز في العواذل بمحافظة أبين، وغيرها من تلك الشواهد التي تهدف إثارة الفتن بين القبائل في الجنوب ، وتقدم بعض الأطراف المحسوبة على السلطة الدعم اللازم للمتصارعين في الجنوب بهدف استمرار إشعال الفتن والتفرقة بين القبائل في الجنوب.

12. تشير الوقائع إلى أن السلطة عملت على توظف بعض العناصر الموالية لها من أبناء الجنوب من ذوي السوابق أو البلطجية في قضايا الإرهاب والتقطع والقتل ومحاولة إلصاقهم بالحراك السلمي الجنوبي بهدف القضاء على الحراك وإظهاره للعالم بالصورة المشوهة له.

13. عمل النظام منذ زمنا على تصدير تنظيم القاعدة إلى المحافظات الجنوبية بهدف أظهار الجنوب بأنه مأوى للقاعدة والإرهاب وتم الدفع ببعض الشباب الذي جندوا من قبله في وقت سابق في حرب أفغانستان وشاركت في حرب 1994م إلى جانبه ودفع بهم لإثارة الخلافات في الجنوب وقد وصل ذلك التمادي إلى استهداف المصالح الغربية كما جرى في إحداث أبو الحسن المحضار الذي اختطف حوالي 16 سائحاَ أوربيا في ديسمبر 1999م،قتل منهم خمسة على الأقل عند محاولة تحريرهم من الخاطفين من قبل قوات الأمن، علما بان هذا الأسلوب لا يتبع في تحرير المختطفين التي تتم في المحافظات الشمالية بل يتم تحريرهم عبر التفاوض بدفع مبالغ مالية.وحادثة المدمرة الأمريكية أس أس كول في مينا عدن في عام 2001م، وحاد الناقلة الفرنسية لمبروج في المكلا عام 2003م ، والتي لحق أضراراً كبيرة في الاقتصاد اليمني.
14. عدم التحاق الشباب من الجنوب من المؤسسات التعليمية العسكرية كالكلية العسكرية كالطيران والشرطة والأكاديمية الحربية والكلية الحربية معهد القضاء العالي التي تتواجد في صنعاء والقاء الكليات المشابهة في الجنوب. الأمر الذي نتجه عنه بوجود مخرجات جديدة من قيادة القوات المسلحة والأمن من المحافظات الشمالية.
 
  خامساً: إشكالية الحراك

أن الإشكال المتمثل بظهور بعض الخلافات أو التباينات بين أوساط قيادات الحراك يمكن النظر اليها بانها مسالة طبيعية وظاهرة صحية منطلقة من الحرص على القضية ، لكن الغير طبيعي ان يؤدي هذا التباين الى تراجع حركة نشاطة الذي بداها بتأييد وزخم جماهيري كبير فذلك خلاف غير مبرر، خصوصا وان بداية ذلك الخلاف كان قد بداء بالتسابق على منصات الاحتفالات وإلقاء الخطب في تلك الفعاليات الاحتجاجية – كما يتردد في الوسط الاجتماعي- وانتهاء بالتنافس حول المناصب القيادية أو في تباين الرؤى حول مسار ومستقبل القضية الجنوبية، ذلك لا يساعد على بلوغ الحراك الجنوبي أهدافه السياسية، وهو عامل معرقل لمسيرة الحراك وأهداف الثورة السلمية، ربما تستند هذه الخلافات على قراءات خاطئة للتاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي في الجنوبي,الذي عرف بالتظاهر والتسابق على تسجيل المواقف والتي بني عليها استحقاق ما بعد الثورة أي بعد الاستقلال وهذا يفسر ذلك التسابق في خلق كيانات ومسميات متعددة للحراك الجنوبي وفي زمن قصير جدا، وقد حذرت منه في حينه الكاتبة الأمريكية المتخصصة بالشأن اليمني جين نوفاك التي أشارت إلى أن هذا التعدد سوف يؤدي إلى خلق جملة من العراقيل أمام حركة الاحتجاجات الجنوبية،وسوف يودي الى نشؤ خلافات قادمة بين هذه المكونات ،حيث يريد كل طرف إثبات وجوده فيها, معتبرين أن هذا التواجد قد تبنى عليه استحقاقات قادمة.
وما يجب توضيحه والانتباه إليه في الوقت الراهن هو أن الأمور تختلف كثيراً عن الماضي مرحلة النضال ضد المستعمر البريطاني في السابق كان الموقف والهدف واضح اجمع عليه الكل، يستهدف المستعمر الأوربي الأجنبي، أما اليوم فالأمر يختلف نتيجة تعقيد القضية التي نشأت في الشأن الداخلي ولها امتداداتها التاريخية والثقافية والسياسية في الحياة الاجتماعية. وعليه فان الأمور هنا لا تأخذ أسلوب النضال الذي أتبع ضد المستعمر البريطاني، كما أن أسلوب العمل السياسي أصبح أكثر تعقيدا في الظروف الحالية التي يجب أن تؤخذ جميع الأبعاد والتفهم للواقع وتعقيداته المختلفة وتأثيرات الخارج على ذلك وأي نشاط لا يمكن أن ينجح دون توفير الغطاء الخارجي والغطاء الخارجي للقضية الجنوبية لم يتوفر بعد، إذ ما زالت أمامه كثير من الكوابح أولها ما يسمى برموز هذا الاحتجاج المنتميين إلى المدرسة الاشتراكية التي لا تلقى أي تأييد إقليمي أو عالمي. وثانياً أن مصالح القوى الإقليمية والعالمية ذات التأثير على الشأن اليمني ارتبطت بنظام صنعاء منذ وقت مبكر ولم تكن السلطات الجنوبية يوماً من الأيام في خدمته هذه المصالح بل على العكس من ذلك , وعليه فان نظام صنعاء يمارس كل نفوذه وعلاقاته مع الخارج في التظليل والمغالطة للقضية الجنوبية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه مازال جزء من أبناء الجنوب يقدمون ولاءهم للنظام الحالي، ولا يتفقون مع ما يطرحه الحراكيون لأسباب مختلفة أولها الخوف من المستقبل وعودة الصراعات الداخلية بينهم التي أثرت سلباً على حياة الجنوبيين وتاريخهم السياسي وذلك واضح -مع الأسف- في تصريحات بعض قيادات الحراك الجنوبي التي تخلو من المهنية والاحتراف السياسي ففي حالات كثيرة يلاحظ أن الخطاب السياسي موجه إلى الداخل أكثر منه إلى الخصم الآخر، ذلك ما يفسره البعض من أنهم لم يطمئنون على حياتهم ومستقبلهم ولا يرون في بعض القيادات بأنها قادرة على إيصالهم إلى بر الأمان، حيث تتسم بعض أعمالهم وتصريحاتهم بالعفوية والعشوائية والتخبط في أطروحاتها ودخولهم في صراعات غير مبررة مع بعضهم، ويتضح ذلك في تسابقها على القيادة في بداية المشوار كما يظهر في تلك المفردات التي تتضمنها بعض الخطابات والتصريحات للبعض منهم التي لا تخلو من نسب الأدوار البطولية لهم والتقليل من الآخرين الذين يقفون معهم بنفس الهدف،والإفراط في اطلاق الالغاب والصفات عند التعريف بالقيادات كمفهوم الزعيم اوالمناضل الكبير والقيادي البارز والقيادي الميداني والمناضل الأول،يذكر أن أول من روج لهذه المفاهيم الأعلام الرسمي للسلطة عند نقل الأخبار عن نشطاء الحراك أو المقابلات التي تجريها عدد من الصحف مع بعضهم، حيث يلاحظ أن بعض الأخبار أو المقابلات قد ساهمت في وجود الخلافات بين أوساط الحراك،والمؤسف جدا أن تلك القادة تتحدث عن توحيد فصائل الحراك منذ ثلاث سنوات ولم يتوصلوا إلى أي نتائج ايجابيه تذكر، ونحن ندرك حجم الصعوبات والتعقيدات التي تواجه الحراك،لكن ذلك لا يعفيهم من الانتقال نحو بلورة رويه عامه وموحدة تجمع كل قوى الحراك المعلنة وغير المعلنة وبقية أبناء الجنوب الذي يجمعهم المصير والهدف الواحد، بعيدا عن الأنفراد بأعداد المشاريع والبرامج الإنشائية المطولة أو تعقيدات العمل التنظيمي الذي ساد في تجربة العمل السياسي في الماضي مثل عقد المؤتمرات واللقاءات الموسعة والمطولة وأعداد الاستمارات. حيث لعب أعلام السلطة دور سيئ في وسط الحراك من تسريبات لبعض الأخبار عن خلافات الحراك التي تثير الشكوك فيما بينهم، وذلك لا يطمئن الجميع في الجنوب الذين اكتووا جميعاً بنيران صراعات الماضي. وتعود تلك الإشكالية إلى الخلفية الثقافية والسياسية ولأيدلوجية التي سادة في الجنوب أو بسبب قلة تجارب العمل السياسي في ظروف الواقع الحالي.
يذكر أن بداية نشاط الحراك قد نشأ في ظروف صعبة جداً (بعد الحرب) نابع من قناعات ذاتية تولدت لدى الكثير في الداخل دون التواصل مع الخارج ودون التفكير بالظهور في تلك الفترة حيث مثلت تلك المعارضة بالتصريحات أو الكتابات لبعض الرموز أو الشعراء مثل تصريحات وكتابات عمر الجأوي والمساجلات الشعرية المنشورة عبر الكاسيت للشاعر شائف محمد الخالدي،او ابو حمدي ، وثابت عوض و العولقي والعوذلي أو تلك الآراء التي ظهرت في عدد من المقالات المنشورة في بعض الصحف الصادرة في عدن كصحيفة الأيام أو صحيفة الطريق وصحيفة الحق لبعض الكتاب الجنوبيين والتي تشير إلى الأخطاء والتهميش للجنوبيين أبرزها كتابات الدكتور محمد مسدوس والدكتور أبوبكر السقاف عن الاستعمار الداخلي في صحيفة الأيام ومقالات علي القريب وفاروق ناصر وفضل الربيعي واحمد بن فريد وحسن بن حسينون ونجيب يابلي وصالح الجبواني والخضر الحسني وعبد اللطيف كتبي عمر وعبد الله ناجي علي وعباس باوزير ، وعبد العزيز يحيى، وغيرهم من الصحفيين والكتاب السياسيين.
يذكر أن البدايات التنظيمية الأولى في انتشار اللجان الشعبية في عدد من المحافظات الجنوبية برؤية ثاقبة بوصفها أول نواة تنظيمية للحراك، الأمر الذي أثار حفيظة السلطة كثيراً وتم مطاردة واعتقال أعضاءها ومهاجمتها وزرع التشكيك بين صفوفها.
ولم يكن الأمر مزعج للسلطة فحسب بل حتى المعارضة السياسية الحزبية و على وجه الخصوص الحزب الاشتراكي اليمني، الذي أعتبر هذا التشكيل يسحب البساط من تحت قدميه كما عبر عنه بعض قياداته؛ ولدلاله على ذلك سوف نشير هنا إلى أحدى المواقف للحزب فعندما قامت اللجنة الشعبية في عدن بالدعوة لتنظيم تظاهرة شعبية في المعلاء، تجاه ذلك قام الحزب في الإعلان عن قيام مظاهرة استباقية مرتجلة قبل الموعد الذي حددته اللجنة الشعبية بيوم واحد كالتفاف على نشاط اللجنة الشعبية وصرّحوا بذلك علناً بأنهم لم يسمحوا للجنة الشعبية سحب البساط عليهم كما يعتقدون.
يذكر أن عدد من المراقبين الدوليين والأمريكيين قد توافدوا إلى اللجنة الشعبية بعدن بصورة سريعة مثل زيادة السفيرة الأمريكية ووفد من مجلس الشيوخ الأمريكي حيث رتب لهم لقاءات في صحيفة الايام وفي منزل أحد أعضاء اللجنة في كريتر وقد تفاجئوا أعضاء اللجنة الشعبية بحضور بعض من القيادات الحزبية، إذ كان حضورهم مثار خلاف بين الأعضاء، اللذين أكدوا على عدم الجمع بين عضوية اللجنة والعضوية الحزبية .
ومع كل ذلك فإن هذا الإشكال لا يشكل مصدر قلق على مسيرة الحراك الجنوبي الذي تدعمه مشروعية القضية وقوة المعاناة والظلم والتهميش والإقصاء الذين يمارس ضد الجنوبيين، كما أن جزء من هذا الإشكال يعود إلى طبيعة الشخصية الجنوبية التي تتصف بالحسد والغيرة فضلا عن ما تقوم به السلطة في تقطيع أجزاء الحراك حيث عملت السلطة على محاصرة النشاط في عدن وبعض المدن واتجهوا إلى الأرياف وخصوصاً بعد الإفراج عن قيادات الحراك في 2008م الذي اتجه بعضهم إلى قراهم في المناطق الريفية هربا من ملاحقتهم وشاركوا هناك في تلك الأنشطة ، الا ان قيام تلك الاحتجاجات في الريف قد لا تساعد على إظهار القضية امام أنظار العالم الخارجي كمدينة عدن التي تحمل دلالة رمزية كعاصمة للجنوب، وشهرتها الدولية ، وهذا لا يعني التقليل من شأن تلك المسيرات في الريف الى جانب إبقاء النشاط في عدن ولو في حدوده الدنيا، وترك الريف لأهلة الذين هم أكثر من يعاني من المظالم والتهميش، وان التعامل السياسي الهادف مع الاعتقالات التي تطال نشطاء الحراك سوف تشكل داعماّ أساسياً لرفع وتيرة الاحتجاج السلمي المنظور بعيون العالم الخارجي وبالتالي يساعد في الضغط على النظام للاستجابة لتلك المطالب المشروعة.
وعليه فإن القضية الجنوبية هي قضية شعب بأكمله ليست قضية مجموعة أو طبقة أو منطقة وبالتالي فان العمل السياسي يجب أن يكون بهذا المستوى العالي من التلاحم والحنكة السياسية بعيداً عن الصغائر التي لا ترتقي إلى مستوى القضية وما يحاك بها.
  الهوامش:

______________________________________________________
1. د. قادري احمد حيدر ..رؤية إستراتيجية ، صحيفة الوسط اليمنية ، 22يوليو 2010م
2. انظر مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.
3. د. د.عمر سعيد مفلح،الحراك السياسي السلمي في الجنوب ، مقالة منشورة على شبكة الانترنت موقع عدن برنس، مايو 2009م.
4. تجدر الإشارة إلى أن الحراك كمصطلح ومفهوم نظري لم يتبلور بوضوح كافٍ في المجال السياسي أو علم السياسية ، كما هو في أدبيات علم الاجتماع.
5.د. أحمد يوسف،بحث عن مستقبل الوحدة اليمنية، منشور على الانترنت.
6. د. عادل الشرجبي وآخرون، الدولة والقبيلة في اليمن .. دراسة اجتماعية نفذها المرصد اليمني لحقوق الإنسان.
7. د. فضل الربيعي ، كيف تمكن الرئيس من تركز السلطة بيده وأزاحت الآخرين، صحيفة الشارع اليمنية، 23ابريل 2011م.

دراسة أعدها د. فضل الربيعي
رئيس مركز مدار للدراسات والبحوث الاجتماعية..عدن


مجلة فورين بوليسي الامريكية : من الذى يحكم اليمن الآن؟

صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك
واشنطن – لندن " عدن برس " -

أكدت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية أن إصابة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ومغادرته للبلاد لم تنه المواجهة الطويلة بينه وبين معارضيه، وأن البلاد تشهد حالة من الفراغ في ظل تعدد مراكز السلطة الذي تمر به حالياً، نتيجة لعجز نائب صالح "المشلول سياسياً" عن فرض سيطرته على الحكم.

وأوضحت المجلة أن المعارضة السياسية وأحزاب اللقاء المشترك تسيطر الآن على ساحة التغيير فى صنعاء، في محاولة لترسيخ وجودها فى الحياة السياسية في ظل أية حكومة جديدة، في حين فقدت الحكومة السيطرة الكاملة على بقية البلاد، ماعدا القصر الرئاسي الذي استولى عليه أحمد، ابن نائب الرئيس اليمني.

وأضافت المجلة أن الأسابيع الماضية لم تشهد أي تقدم في الأزمة اليمنية، بعد إصابة الرئيس اليمنى على عبد الله صالح بجروح بالغة في هجوم شنه مجهولون على قصره الشهر الماضى وذهابه إلى المملكة العربية السعودية للعلاج، لكي يترك بلاده بدون بديل يظهر فى الأفق، وهو ما أدى إلى اندلاع الفوضى في أنحاء البلاد.

وفيما يلى الوضع فى المناطق اليمنية كما رأته المجلة:

صنعاء: معقل صالح الأخير

تعد صنعاء المعقل الاخير لصالح فعلى الرغم من ذهابه للسعودية لتلقي العلاج فأن ابنه أحمد قائد الحرس الجمهوري، وابن أخيه يحيى، قائد قوات الأمن المركزي، قد حافظا على السيطرة على المدينة، ولا تزال نقاط التفتيش العسكرية موجودة، وجنود الأمن المركزي لا تزال تجوب الشوارع.

الشمال: أرض الحكم الذاتي القبلية

المناطق القبلية في اليمن لم تكن فى يوم من الايام متقبلة لفكرة الخضوع لصالح واكثر من مرة اندلعت الاشتباكات بين القبليين بقيادة الصادق الاحمر وشقيقه الأصغر منه حامد، وهو ملياردير وشخصية سياسية معارضة وقوات الحكومة، وكان اخرها قبل اصابة صالح بفترة قليلة .وحتى الان لم يظهر رجال القبائل أي نية للبقاء تحت مظلة حكومة صالح مرة أخرى.

محافظة مأرب

وتشهد محافظة مأرب فوضى اكثر من أي وقت مضى منذ وفاة جبر الشبواني، نجل الشيخ البارز علي الشبواني، الذي قتل في غارة امريكية بدون طيار في مايو 2010. وفى محاولة للثأر لمقتل ابنه، دمرواحد من أكبر خطوط أنابيب النفط في اليمن، مما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات على الحكومة اليمنية. وبدأ الاحتجاج المناهضة للحكومة تجتاح المحافظة، وصعد علي ورجال قبيلته حملتهم ضد البنية التحتية للحكومة. ولا يزالون يسيطرون على الطريق المؤدي إلى صنعاء .

تعز : مركز شباب الثورة

تعز عاصمة اليمن الفكرية والصناعية و ثاني أكبر مدينة في اليمن وقد شهدت مظاهرات احتجاج حاشدة وتم قمع المتظاهرين بشكل اعنف من اى مدينة اخرى وقاتل رجال القبائل ضد قوات الأمن في المدينة على عكس مدن اخرى . واصبحت معارك الشوارع أمر شائع في هذه المدينة المتنازع عليها

عدن : عاصمة اليمن الجنوبي سابقا

منذ عام 2007، عانت الحركة الانفصالية في اليمن الجنوبي من حملات عنيفة للغاية من جانب الحكومة وبدعوى انهم تحت احتلال الشمال فقد خرجت الحركة الجنوبية للعمل علانية فى ظل غياب الموالين لنظام الرئيس صالح في المدينة. وكتبت الشعارات المناهضة للحكومة على الجدران والمحلات وحتى عبر الجدران الأمنية العالية من المباني الحكومية الفارغة الان . واصبح علم جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية رمز في كل مكان

محافظة أبين : سيطرة القاعدة

في الشهر الماضي، نزل مسلحون من الجبال المحيطة الى مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين. وكان المسلحون قادرين على السيطرة على المدينة والقرى المجاورة بكل سهولة،وفى المقابل انسحبت وحدة النخبة اليمنية لمكافحة الارهاب من المنطقة قبل ساعات من الهجوم لسبب غير مفهوم. ومنذ الاستيلاء على المنطقة، شت الجيش اليمني هجوما من خلال الضربات الجوية والقصف المدفعي المستمر. وقد فر الآلاف من سكان أبين هربا من المواجهات .

آفاق المستقبل

تؤكد فورين بولسى ان أي حكومة ستتولى الامور فى اليمن ستجد نفسها امام مهمة مستعصية تقريبا من إعادة إنشاءالدولة وانهاء التقسيم الإقليمي.وتراجع الاقتصاد وسيطرة القبائل القوية على الكثير من الامور فى اليمن. واوضحت المجلة ان جنوب اليمن اصبح بعيدا عن سيطرة الحكومة والشمال انزلق في حالة من الفوضى السياسية والقبلية، في حين أن العديد من القبائل، بما في ذلك المتمردين الحوثيين واتحاد حاشد، أعربوا عن تأييدهم لثورة الشباب .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق